كانت لافتة زيارة رئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري إلى تركيا ولقائه رئيسها رجب اردوغان منذ يومين لأكثر من ساعتين، حيث يتزامن ذلك مع تصادم تركيا من جهة، وفرنسا مصر والمملكة السعودية من جهة اخرى.
كي لا ننسى ايضاً، تركيا تحارب حالياً في سوريا وتدعم الجماعات المناهضة للنظام وحلفائه وعلى رأسهم “ايران وحزب الله”.
في الوقائع، فور صدور تسريبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، نشرت محطّة الجديد خبراً مفاده انها تلقت معلومات بأن الحريري قد ذهب الى تركيا بتكليف سعودي اماراتي للعب دور “وساطة”.
لكن، هل تحتاج المملكة الى “وساطة” سعد؟ ولماذا تم نشر خبر محطة الجديد مباشرةً بعد “التسريبة” وليس منذ يومين لحظة حصول زيارة الحريري الى تركيا؟
قد يكون الحريري قد سرّب هذا “الخبر” من خلال الجديد للتبرير ولتغطية السبب الحقيقي للزيارة!
إن عدنا الى الملف الداخلي والمسار السياسي الامني منذ وقوع احداث 7 ايار الدامية، من الواضح ان “الحزب” قد “روّض” تيّار المستقبل منذ ذاك الحين حيث استعمل تقنيّة “العصا والجزرة”، “العصا” برزت في احداث 7 ايار وغيرها و”الجزرة” عبر دعم تعيين الحريري رئيساً لمجلس الوزراء ليحصل على وزارات دسمة يتصرّف بها فيما بعد بما “لاذ وطاب” ودون مسائلة مقابل تسليم القرار السياسي الأمني إلى “الحزب”.
عملياً، فكّك الحريري تجمّع 14 اذار المناهض لفريق 8 اذار وابعد كل الرافضين لهذا “الترويض” في تياره منهم اشرف ريفي، خالد الضاهر وغيرهم. بالنتيجة، كلنا يتذكّر كيف كانت ردة فعل المملكة على هذه التغيّرات حيث تم “حجزه وذلّه” وإجباره على الاستقالة. وبعدها تم قطع العلاقات المميزة معه، تلك التي كانت قائمة منذ ايام والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
هكذا “اصبحت السنّية السياسية الأمنية” عمليّاً في خدمة الحزب، الشيء نفسه إنطبق على المسيحية السياسية الامنية من خلال الإيصال المشروط لعون وتياره الى الحكم.
أمام هكذا سيناريو، أصبح لـ “الحزب” اليد الطولى على مؤسسات الدولة من خلال قبضته “المُخمليّة” على حركة أمل من جهة وعلى عون والحريري من جهة أخرى، وبالتالي على كل ما يمونون عليهم هؤلاء ويختارون من نواب، وزراء، مدراء، ضباط وقضاة.
لهذا السبب، لم تَعد الولايات المتحدة تُميّز بين “الحزب” وباقي الاحزاب الحاكمة التي هي أضحت تابعة، فأصبحت تتعاطى مع لبنان كدولة ساقطة تحت “النير الايراني” من خلال “الحزب”. هكذا بدأ يتلقّى الجميع العقوبات الواحد تلو الآخر، مع توقعات قدوم رزمة جديدة قد تطال الحريري شخصيا ومن “لفّ لفيفه”.
بناءً عليه، ان كانت زيارة الحريري إلى تركيا غير منسقّة مسبقاً مع ايران التي تملك القرار السياسي، وان لم تكن بهدف الوساطة بين تركيا والخليج كما تدّعي الجديد،
يكون الحريري قد خطا خطوة اقليمية غير محسوبة سيكون لها ارتدادات سلبية في الداخل. لأنه، في هذه الحال، كيف سيكون الرد الايراني؟ ماذا سيكون موقف النظام السوري، العدو اللدود لتركيا؟ هل يرضى محور الممانعة ان يكون رئيس حكومة لبنان محسوبا على اردوغان؟
يبدو ان الأمور تذهب الى مسار “انحداري خطير”… كل ذلك يتزامن مع تحليق يومي، مكثف وعلى علو منخفض، لطيران العدو الإسرائيلي فوق لبنان، لأهداف لا تزال مجهولة!
المصدر: ليبانون ديبايت – غسان جرمانوس