ما تريده أميركا من لبنان ومن سوريا والعراق أيضاً، معروف وهو من بديهيات المسألة الوطنية اللبنانية. ولا جدال في أن المحافظة على لبنان، وطناً لأهله في ظل دولة تماشي العصر، في تقديم الخدمات للناس وفي تنظيم العيش وترشيد الإقتصاد، تتطلب العمل والنضال في سبيل التخلص إلى أقصى حد ممكن من النفوذ الأميركي الذي ينطوي على خطورة تهدد الكيان والهوية والوجود. ينبني عليه، أننا ضد أميركا ونعترض على ما تريده بما يتوفر لدينا من وسائل.
وما من شك في هذا الصدد، أن إعادة تنظيم البيت اللبناني هو وسيلة لازمة وضرورية لتقوية مناعتنا وقدراتنا على مواجهة العوامل التي تمثل ضغوطاً من أجل إجبارنا على سلوك نهوج ليست في مصلحتنا الوطنية. علماً أن هذه تتأثر باستتباب الأمن وحسن الجوار في المنطقة التي تعتبر بلادنا جزءاً عضوياً منها، بالإضافة إلى أن المصلحة الوطنية تتطلب وحدة وطنية وتوافقاً على قواعد عيش مشترك إلى جانب المساواة بين الناس بما هي دعامة من دعائم الوحدة والتضامن الأساس.
وتوخياً للدقة والوضوح، يمكن القول أن العوامل الخارجية حالت بصورة رئيسية دون تطور النظام اللبناني بصيغته القديمة إلى نظام حديث، إلى جانب عوامل داخلية كان من المحتمل معالجتها وتجاوزها، لو تحققت أوهامنا وكان لبنان جزيرة معزولة في عرض المحيط أو على سطح كوكب غير كوكب الأرض.
استناداً إليه، إن المسألة الأساس أمام الفكر السياسي الوطني في لبنان هي الاجتهاد بحثاً عن أساليب ومقترحات قادرة على اختراق الحواجز الطائفية والمذهبية والمناطقية، من أجل إطلاق الحوار الهادف إلى توليف الآراء حول لزوم الكيان الوطني والدولة، لجميع الذين يعيشون في لبنان، طوعاً أو كرهاً.
فمن نافلة القول أن لا جدوى من النشاط والنضال من أجل إعادة إحياء الدولة الوطنية الواحدة والجامعة، طالما بقيت كل طائفة وعشيرة وزعيم مصرين على علاقاتهم الملتبسة، المادية والسياسية، بدول أجنبية، كما هي الحال في الراهن.
هذا لا يعني على الإطلاق، الإنعزال عن العالم، وإنما هو تعبير عن قبول التحول إلى مجتمع وطني مركب، ليس من كيانات متأخرة متنافسة متحاسدة، متنابذة، ولكن من أفراد هم مواطنون متساوون متشاركون في العيش والحياة الاقتصادية، ينتخبون ممثليهم لفترات محدودة، ويوكلون إليهم مهاماً مبينة بدقة، لإدارة شؤون البلاد الداخلية وتلك المتعلقة بالعلاقات الخارجية.
خلاصة القول، إن التوافق على لزوم وضرورة الكيان الوطني محفز أساس على خوض معركة تحقيق المجتمع الوطني توازياً وتلازماً مع العمل على تصحيح العلاقات مع الخارج والتمييز بين الصديق والمستعمر. إن الإنسان الذي يعيش كريماً في وطنه واثقاً من القيادة الحكيمة المتبصرة،ينتصر فيه أو يستشهد.
المصدر: الديار