كتبت جوني فخري في “العربية”: في الـ 36 ساعة الأخيرة من حياته، كان قائد فيلق القدس الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، مجتمعاً مع أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، في العاصمة اللبنانية بيروت بعدما وصل إليها براً من دمشق آتياً من طهران في الثاني من كانون الثاني 2020.
ناقش الرجلان لأكثر من ثلاث ساعات التطورات في العراق، ونُقل عن أحد نواب حزب الله أن الهدف من المحادثات كان المساعدة في تنسيق عمل الفصائل المسلّحة التي تدعمها إيران في المنطقة، وذلك كي يتم تجهيزها لأي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة.
ضربات سياسية وعسكرية
ومنذ مقتله، تعثّرت “الميليشيات” الإيرانية في المنطقة وتعرّضت “لضربات” سياسية، خصوصاً في العراق بعد مجيء مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الحكومة، وعسكرية، لاسيما في سوريا، حيث نفّذت إسرائيل غارات عديدة ضد مواقع تابعة لها من دو أن تردّ عليها.
لكن الكثيرين تساءلوا عن الدور الذي لعبه أكبر تنظيم بين الأذرع الإيرانية، وهو حزب الله اللبناني بعد مقتل “مهندس” التوسّع الإيراني في المنطقة، خصوصاً أن زعيم الحزب حسن نصر الله كان أشار في خطابه بعد مقتل سليماني، إلى “أن بعد تولي سليماني مهام منصبه، لم نعد بحاجة لإرسال وفود إلى إيران لنطلب الدعم أو المساعدة أو نشرح الأوضاع أو الظروف أو الصعوبات، فهو دائماً كان يحضر إلينا ويأتي في أوقات متقاربة جدا”.
وبعيد مقتل سليماني، برزت تقارير عن اجتماع عقد في بيروت من أجل لمّ شمل الفصائل العراقية الموالية لإيران وتنظيمها للانتقام لسليماني، حتى إن بعضها تحدّث عن طلب القيادة الإيرانية من أمين عام حزب الله تولّي مسؤوليات سليماني، إلا أنه رفض لأسباب مرتبطة بأمنه الشخصي، لأن سليماني الذي كان يتحدث اللغة العربية بطلاقة، كان مسؤولا عن الإشراف على عمليات الحرس الثوري الخارجية، وكان ضالعا بصورة كبيرة في توجيه وتنسيق أعمال الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة، وهو ما حتّم عليه التنقّل بين عواصم عربية عدة.
تأثير كبير لغيابه على حزب الله
المحلل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة ClipperData-NYC بشار الحلبي، قال لـ”العربية.نت” “إن غياب سليماني أثّر كثيراً على حزب الله، لأنه رافق إنشاء هذا التنظيم منذ بدايته في العام 1982، حتى إنه كان إلى جانبه على أرض المعركة خلال حرب تموز 2006، وتفقّد جنوب لبنان شخصياً”.
وقال “سليماني شخصية لا تعوّض ليس فقط بالنسبة لحزب الله وإنما للمحور الإيراني ككل في المنطقة، خصوصاً أنه كان يلعب دوراً أكبر من حجم أي مؤسسة إيرانية”.
نقطة تحوّل بالصراع
من جهته، قال المحلل العسكري العميد المتقاعد خالد حمادة لـ”العربية.نت” “إن مقتل سليمان شكّل نقطة تحوّل أساسية في الصراع الأميركي-الإيراني في المنطقة، لأن اغتيال هدف إيراني ثمين بحجم قائد فيلق القدس الذي كانت مسؤولياته موزّعة بين العراق وسوريا ولبنان واليمن طرح تحديات كثيرة أمام إيران عنوانها لا خطوط حمراء على الأهداف الإيرانية في اللائحة الأميركية”.
نصرالله هدف مُدرج
كما اعتبر “أن مقتل سليمان أدخل في حسابات حزب الله احتمال أن يكون زعيمه حسن نصرالله الهدف الأميركي الثاني”.
وقال “مقتل سليماني جعل دور حزب الله محصوراً بالداخل اللبناني بالتوازي مع توقّف دوره في استعراض القوّة في الخارج، بدءاً من مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، حيث لم يُبدِ اعتراضاً عليها، وانتهاءً بإعلانات “التنصّل” من أي عملية اختراق للحدود مع إسرائيل”.
إلا أنه لفت في المقابل إلى “أن أي خروج عن حدود اللعبة التي رسمها الأميركيون سيكون له أثمان باهظة. من هنا فإن ما حصل مع سليماني وما تلاه من تصريحات إيرانية ومن جانب حزب الله بالانتقام والثأر، ضبط إيقاع أي عملية مُفترضة لـ”حزب الله” عبر الحدود اللبنانية أو خارجها”.
لا ردّ
إلى ذلك، جزم “بأنه لن يكون هناك أي ردّ على مقتل سليماني لا من جانب حزب الله ولا من قبل الميليشيات العراقية”، معتبراً أن العالم النووي مصطفى فخري زاده هدف أثمن من سليماني، لأنه مرتبط بالاّتفاق النووي، ومع ذلك لم تردّ طهران على مقتله، لأن ليس لديها القدرة على “اصطياد” هدف أميركي أو إسرائيلي بحجم فخري زاده أو سليماني”.
وبعد مقتل سليماني، طرأت تغييرات جذرية في العراق، لاسيما مع وصول مصطفى الكاظمي إلى سدّة الحكم، حيث اتّخذ خطوات عديدة صبّت جميعها في لجم النفوذ الإيراني وميليشياتها، مثل إعلانه عن تثبيت دعائم الدولة وحصر السلاح بيد القوى الشرعية، فضلاً عن سيطرته على الحدود السورية-العراقية في مقابل فتح معبر عرعر مع المملكة العربية السعودية.وأدّى ذلك إلى تحريض الميليشيات الإيرانية، لاسيما حزب الله العراقي على الكاظمي من أجل جعل مهمته صعبة.
في حين، اعتبر الحلبي “أن وضع حزب الله اليوم في لبنان أفضل من الميليشيات العراقية، كما أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان فضلاً عن تراجع مستوى المعركة في سوريا، عوامل جعلته يُركّز أكثر على الوضع اللبناني الداخلي، لأن بيئته الحاضنة تُعاني، كما أنه لا يمكنه أن يكون “مرتاحاً” في الخارج في وقت أن وضع لبنان الداخلي غير سليم”.
من هنا، يُضيف الحلبي “تراجع دور حزب الله في المنطقة، لأنه لا يستطيع إدارة ملفات كبرى في الإقليم كان سليماني يتولّاها”.
قاآني لم يملأ الفراغ
إلى ذلك، رأى أن إسماعيل قاآني لم يستطع أن يلعب الدور المحوري لسليماني كقائد جديد لفيلق القدس ولا أن يملأ فراغه، لاسيما بالنسبة للعلاقة مع الأذرع العسكرية في المنطقة. وظهر ذلك جلياً في وضع إيران في العراق. فوفق الحلبي، لو كان سليماني لا يزال حيّاً لما كان الكاظمي رئيساً للحكومة في العراق، ولا كان اتّخذ الخطوات التي يقوم بها بوجه الميليشيات الإيرانية.
ترتيب حسابات
وأشار إلى “أن النظام الإيراني من رأس الهرم حتى أسفله “أدرك” حجم الخسارة التي مُني بها بعد مقتل سليماني، وأعاد ترتيب حساباته في المنطقة. فبدل أن يُركّز على كل بلد ويتدخّل بتفاصيله كما كان يفعل سليماني، بات يُدير ملفات المنطقة ككل، وقاآني هو بيروقراطي أكثر من سليماني الذي كان بمثابة القائد المُلهم والعقل الاستخباراتي والأمني والسياسي للنظام الإيراني”.
أما في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، فاعتبر العميد حمادة “أن اغتيال سليماني أدخل ضوابط جديدة على هذا الصراع المفتوح مع إسرائيل وعلى الصراع الأميركي-الإيراني”. ولفت إلى “أن عبارات التهويل والتهديد والوعيد سقطت من خطابات نصرالله حول مقتل سليماني بمجرّد أنه لم يمانع على مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل”.
تأثير معنوي
في المقابل، قال الباحث المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت مهند الحاج “إن مقتل سليماني أثّر بشكل معنوي على حزب الله، إلا أن الأخير بات أقوى داخليا”.
ورأى “أن سياسة العقوبات الأميركية لم تؤثّر بشكل مباشر على حزب الله”، قائلاً ” في وقت حرم اللبنانيون من الوصول إلى ودائعهم بالدولار المحجوزة في المصارف نرى مؤسسة قرض الحسن التابعة له تُعطي الدولارات لزبائنها”.
المصدر: العربية