لا يُمكن تحديد مكان مكوث رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري في الخارج بعد. قيل أنه في صدد التوجّه إلى ثلاث دول من بينها فرنسا. في المقابل، أفصح مكتبه الاعلامي عن توجّه الحريري إلى كل من الإمارات العربية المتحدة ثم السعودية لقضاء فترة الأعياد ما عائلته.
وفي الإعلان مفارقة. درجت العادة أن يستقلّ الحريري الطائرة متوجّهاً إلى الرياض ومنها يدشّن زياراته إلى العواصم الاخرى. الآن تبدو الامور مختلفة وهذه مفارقة لا بد من الأخذ بها، وعبرها تستلاد جملة اسئلة: هل أن الحريري توجّه إلى أبو ظبي بنية إستطلاع مدى إحتمالات قبوله ضيفاً على أراضي المملكة، أم أنه بات منذ العام 2017 يختار أبوظبي وجهةً له؟
الأحوال بين الحريري والإدارة السعودية لم تعد كما كانت من ذي قبل، وهذا معلوم. خلال فترة احتجازه في الرياض عام 2017 قيل أن الحريري توسّط لدى أمير أبوظبي محمد بن زايد لحل المسائل العالقة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. الآن وفي ظل تدشين الحريري لزياراته الخارجية من أبوظبي وبحيث أن الأمور السياسية عالقة في الوسط اللبناني، لوجود “فيتو” سعودي من بين الفيتوات المتوفرة، هل عاد الحريري لطلب الوساطة نفسها من ذات الجهة؟ عملياً، وجهة سير الحريري ستتولى الاجابة.
في الواقع، ثمة أكثر من قضية عالقة بين الطرفَين الحريري والسعودي. إذا أخذنا الفترة الحالية معياراً لوجدنا أن العقد تنبت من وراء إعلان رئيس تيّار المستقبل نفسه مرشحاً طبيعياً تأليف الحكومة في عهد الرئيس ميشال عون، وهذه معضلة بالنسبة إلى الرياض، التي ترى أنه ليس من الضروري الآن وفي هذا الظرف، أن يكون الحريري ضمن حكومة ترعى التوازنات اللبنانية الحالية، أي حكومة لا بد للأكثرية الحالية المؤلفة من حزب الله والتيار الوطني الحرّ أن تتمثل بها في شكلٍ من الأشكال.
ليس سراً أن الرياض سبق لها وان رسمت خطاً بيانياً للحريري كي تتسنى له العودة إلى “قلعة السراي”، تقوم على منع دخول حزب الله أي تشكيلة حكومية وبأي صيغة أتت. اليوم، وفي حمى التقاتل على الصيغة الحكومية بين الحريري وقصر بعبدا، يمثل حزب الله “قاعدة توازن” إيجابية بالنسبة إلى الحريري الذي دخل في “تفاهمٍ متوازن” مع حزب الله جعل من تنسيقه إيجابياً جداً كما سبق واسلف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مقابلته الاخيرة، وفي ذلك إشارة غير جيدة بطبيعة الحال بالنسبة إلى السعودية.
قد يقول قائل إن الرياض تكاد تفصل ما بين التكتيكات التي يعتمدها الحريري وما يختلج في باطنه السياسي، اي ما تعلمه حقاً العلم عنه، وبالتالي قد تقوم بإشاحة النظر عن بعض التكتيكات التي يستخدمها على قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”. في الواقع، هذه المقولة –الفرضية- تحتاج إلى تدقيق للتثبت من مدى صحتها، وهذا يقود بالتالي إلى رصد إحتمال دخول الحريري المملكة، فإن حصل ذلك بالفعل، يعني أن ثمة تقدّماً في العلاقة بين الطرفين ويمكن عندئذٍ الظن أن الوساطة الإماراتية المفترضة قد نجحت.
ليس بعيداً عن المدار السعودي، ثمة جانب فرنسي لا يقل أهمية. الفرنسيون الذي ابدوا امتعاضهم من حالة استهتار بعض المسؤولين اللبنانيين تجاه قضية تأليف الحكومة إلى حدٍ غريب كمثل تجاهل كافة المخاطر والتوجّه لقضاء عطل في الخارج أو في الداخل. عملياً الانتقاد الفرنسي الذي وصل من على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الساسة اللبنانيين يحمل على إنتقادات مترامية الأطراف، تبدأ من الحريري وتتجه صعوداً نحو قصر بعبدا، المتهم بدوره في إضفاء طابع التعطيل على التأليف، من وجهة نظر فرنسية.
في كل الأحوال قد يعود الحريري من زياراته الخارجية أكثر تشدداً، وهذه دلالة هامة لاحتمال تسوية أوضاعه أو الشروع بتسوية أوضاع مع السعودية، وهذا الجو لا يمكن إخفاء معالمه في حالة التواصل مع الأطراف التي على بينة من عملية تأليف الحكومة التي تنذر بالسوء لاحتمالات التطور الذي قد يطرأ في الخارج على صورة الحريري السياسية.
هذا يقود عملياً إلى إستعصاء مضاف على الاستعصاء الحالي الذي عاد ليبرز تحت عنوان البحث العددي في التشكيلة الحكومية متزامناً مع بروز علامات تدل إلى لجوء أطراف محلية لبنانية، روحية على وجه الخصوص، للاستعانة بقدرات الخارج في محاولة للتأثير على مواقف أكثر من طرف سياسي داخلي في ما له صلة بمسألة تأليف الحكومة، وهذا الكلام تردد صداه لدى أكثر من موفد.
المرحلة المقبلة ستشهد على تحوّل فرنسي واضح حيال المسألة اللبنانية. فتقرير المحققين الفرنسيين في إنفجار المرفأ سيصل إلى بيروت الشهر المقبل، وثمة من يعتقد أن نتائج هذا الملف ستقود إلى تبدّلات على صعيد الموقف السياسي الفرنسي من الملف اللبناني، ومن المفترض أن هذا التبدّل سيميل إلى التشدّد.
المصدر: ليبانون ديبايت – عبدالله قمح