يوم الاثنين المقبل تنتهي سكرة الاعياد والاحتفالات بعيد رأس السنة لتأتي فكرة الازمات التي تقض مضاجع اللبنانيين، وتدفعهم الى البحث في خيارات تساعدهم على مواجهة الطبقة السياسية التي وعلى ما يبدو مرتاحة لهذا التمييع المقصود لادارة الازمة.
الشارع في نسخة 17 تشرين انهى خدمته ولم يصل الى الاهداف التي دفعت باللبناني الى النزول والمطالبة بتحسين أدنى حقوقه، بل كان حركة معاكسة سَرَّعَت الانهيار ولم تفرمله وخلقت ردة فعل شعبية معاكسة اذ انها بدت غير منتظمة وأوجعت الرأي العام لا الطبقة السياسية، من خلال اغلاق الطرق والتمادي في بعض الاحيان على حركة المواطنين عبر مجموعات من الشبان الذين لم يحسنوا ادارة التفويض الذي أوكلته الثورة اليهم فتحولوا الى قطاع طرق.
ولاشك بأن الثنائي الشيعي لعب دورا هاما في هذا الحراك ولاسيما في الايام الاولى وبات معروفاً لدى الجميع كيف حرك حزب الله شارعه في السابع عشر من تشرين عبر تحركات سيارة وعلى الدراجات النارية من المشرفية الى اوتوستراد السيد هادي وتقاطع مار مخايل وصولا الى السراي الحكومي حيث بادر هؤلاء الى افتتاح اليوم الاول من ثورة “الواتس أب”، في المقابل عمل حزب القوات اللبنانية من تحت الطاولة على دعم الشارع والنزول بكثافة تحت غطاء 17 تشرين في المناطق المسيحية وتحديدا جل الديب جونية جبيل..
كل تلك التحركات الحزبية تحت الغطاء الشعبي أثمرت استقالة سريعة للرئيس الحريري لينضم الاخير الى الشارع الى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل، في حين بقي التيار الوطني الحر والعهد في مرمى الثورة التي رصدت الاخطاء وصوبت البوصلة باتجاه واحد.
الخلطة الحزبية التي تجلت ب 17 تشرين 2019 وضعت اطارها التنظيمي، حيث بدا كل حزب مستقلا بأهدافه عن الطرف الآخر. حزب الله صوب على القطاع المصرفي وحاكمية مصرف لبنان والحاكم رياض سلامة، يريد من خلال هذا الحراك رأس القطاع كرد على العقوبات الاميركية عليه. حرك مجموعاته المنضوية بأسماء معروفة في شارع 17 تشرين وكان هدفها شارع الحمرا حيث مركز المصرف المركزي اضافة الى فروع مصارف أخرى. خاض على مدى أكثر من شهرين معارك لضرب سمعة وهيبة المصرف من خلال المواجهات اليومية بين المجموعات التي حاولت اقتحام المبنى وتصدى لها الجيش والقوى الامنية، قبل أن ينطلق الحزب الى المواجهة النيابية والحكومية. واعتمد في نهجه الباب السياسي لقصف سلامة عبر قنواته الحكومية وعندما يفشل في مجلس النواب يعود ليفتح باب الشارع في لعبة مد وجزر بين الطرفين.
أما القوات المستقبل والاشتراكي فكان هدفهم واحد لكن بعناوين مختلفة. فالمستقبل صوب مباشرة على العهد وطالب باقالة رئيس الجمهوية في حين طالبت قوى سنية أخرى بنزع سلاح حزب الله وكف يد ايران عن لبنان. كذلك فعل التقدمي الاشتراكي الذي شن شارعه هجوما عنيفا على من سماها احزاب السلطة وعلى رأسها التيار الوطني الحر، في وقت بدت القوات اللبنانية شاملة بمطالبها وعَبَّرَ شارعها عن سخطه من أداء المنظومة الفاسدة وطالب بانتخابات نيابية مبكرة، وكان لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الحصة الاكبر من سهام هتافات هذا الشارع.
بدا 17 تشرين أحزابا في شوارع متعددة، مع خرق لافت للمنظمات غير الحكومية التي كانت شريكة مع بعض الاحزاب في مطالبها وتحديدا بكل ما يتعلق بمنظومة حزب الله والعهد والتصويب عليهما.
مع اطلالة العام 2021 يقف الجميع على أهبَّة الاستعداد لجولة جديدة من التظاهرات في الشارع، فحركة أمل حذرت على لسان رئيس هيئتها التنفيذية مصطفى الفوعاني “من الانفجار الاجتماعي لان الناس وصلت الى حال اختناق اجتماعية ومعيشية وصحية، وبات اقصى ما يتمناه المواطن تأمين يومياته الاساسية من مأكل ومشرب ودواء”، في حين كشف الوزير السابق ملحم رياشي عن “حالة جديد ستبدأ بالتكوّن في كانون الثاني وستكون مفاجأة كبيرة ومريحة جداً لحركة الرأي العام على مستوى التركيبات الشعبية” على أن تشارك القوات اللبنانية بهذه المفاجأة التي على ما يبدو ترسم وتخطط لها.
ومع انسداد أفق التشكيل وابقاء الابواب موصدة بوجه أي حل يتحضر الشارع من جديد الى انتفاضة بنسخة ثانية وهذه المرة ستدخل الاحزاب مباشرة على الخط المطلبي على أن يكون الفتيل شبيها برسم ال 6 دولار على الواتس أب وقد يأتي بصورة مفاجئة من حيث الشكل ومنسقة في المضمون، ولكن ستأخذ هذه المرة أبعادا أكثر ايلاما من سابقاتها، وقد تمهد لخطوات تصيب الدولة بمؤسساتها وكيانها عبر الاندفاع أكثر نحو الامن الذاتي وهذا ما يلوح به بعض النواب والقادة نتيجة التفلت الحاصل والسرقات الممنهجة في أكثر من منطقة.
يدخل لبنان اذا عام 2021 بانتفاضة خطيرة تتحكم بها عوامل انحلال الدولة وتفشي ظواهر الدويلات، في حين يسابق رغيف الخبز العائلات التي تخطت معدلات الفقر فيها السبعين في المئة.
المصدر: ليبانون فايلز