حلّ عيد الميلاد، وهو عيد الفرح، في لبنان هذه السنة حزينًا وكئيبًا، على رغم الأمنيات والدعاءات، خصوصًا أن لا بوادر أمل تلوح في الأفق، لا على صعيد تشكيل الحكومة ولا على صعيد ضبط جائحة كورونا الآخذة في التوسّع، إصابات وميتات، ولا على صعيد الوضعين الإقتصادي والمالي المتدهورين والمرتبطين إلى حدّ كبير بالأنفراج على خطّ التشكيل الحكومي، الذي رُحّل من سنة 2020، سنة الكوارث والمصائب، إلى عام 2021، المأمول ألاّ يكون شبيهًا بالسنة التي تطوي آخر أيامها.
وقد يكون ما حصل في اليومين اللذين سبقا عيد الميلاد حكوميًا أكبر دليل على أن ثمة من لا يريد أن تبصر الحكومة النور قبل أن يتسّلم جو بايدن مقاليد الرئاسة الأميركية في العشرين من الشهر المقبل، أي أن الداخل قد أخذ قسطًا من الراحة من مسرحية التأليف، التي شهدتها عملية تبادل الإتهامات بين بعبدا و”بيت الوسط”، وبالأخصّ في اللقاءين الأخيرين اللذين حملا الرقم 13 و14، بعد سلسلة من اللقاءات العقيمة، التي لم تقدّم إلى اللبنانيين سوى اليأس والقنوط والغرق في عدّ المشاكل والمصائب اليومية التي يعيشونها.
صحة هذه المقاربة يمكن لمسها جلية في موقفي البابا فرنسيس، الذي دعا إلى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، وذكّر المسيحيين بضرورة التركيز على التمازج مع المكونات الأخرى وإعلاء مفهوم العيش الواحد مع المسلمين، وبموقف البطريرك الراعي، الذي غاص في تفاصيل الميكرو اللبناني، في كلام يفترض أن يقوله رئيس الجمهورية لكنه لا يفعل، حتى أنه تغيب عن قداس الميلاد في بكركي كي لا يسمعه من سيد الصرح، وقال أنه إن كانت أسباب عدم تشكيل الحكومة داخلية فالمصيبة عظيمة، أما إن كانت أسبابها خارجية فالمصيبة أعظم لأنها تفضح الولاء لغير لبنان.
وبذلك يكون البطريرك الراعي، الذي أُحبطت مساعيه التوافقية عند أسوار قصر بعبدا و”بيت الوسط”، قد وضع الأصبع على الجرح، وفتح الباب واسعًا أمام من يقف وراء التعطيل الداخلي لأسباب خارجية.
وكان لافتًا أمس، ما جاء في مقدمة تلفزيون الـ “أو تي في”، حيث تساءلت:من يعطل تشكيل الحكومة؟ التعميم هو الجواب الأسهل. أما الجواب الأصح، فيتطلب التفكير مليا بما يلي:
أولا: ما مصلحة رئيس الجمهورية في تعطيل التشكيل، وقد دخل عهده سنتيه الأخيرتين، وهو الذي عاهد اللبنانيين بأن يسلمهم في نهاية ولايته، وطنا أفضل مما استلم؟
ثانيا: من الذي ابتدع تفسيرات للمادتين 53 و64 من الدستور، ساعيا إلى تحويل رئيس الجمهورية عمليا إلى مجرد مطلع وموقع على مرسوم التأليف، دونما شراكة فعلية في التشكيل؟ ثم، من الذي اتهم رئيس البلاد، وفريقا أساسيا، بمحاولة كسب الثلث المعطل في الحكومة، بينما المطلب لم يطرح أساسا، وهو ما أكده البطريرك الماروني بعد لقاء رئيس الجمهورية، وعلى رغم تشديد أركان الطائف، ومنهم رئيس حزب الكتائب الراحل جورج سعادة في الصفحة 165 من كتابه “قصتي مع الطائف” على أن ذلك من حق الرئيس؟
ثالثا: من الذي ينتظر الأسماء من الثنائي الشيعي، ويتلقاها من الزعيم الدرزي، وعندما يحين دور المسيحيين، تصبح المعايير الواحدة جريمة؟
رابعا: من المصر على قراءة المبادرة الفرنسية بشكل منقوص، وكأنها لا تنص إلا على حكومة اختصاصيين، فيما هي تشكل مشروعا متكاملا، من ضمنه حكومة المهمة المشكلة من اختصاصيين؟. واستطرادا، من الذي يستخدم شعار الإصلاح لضرب الشراكة التي تطلب تكريسها للمرة الأولى منذ الطائف خمسة عشر عاما من النضال السياسي على الاقل، وكأن الإصلاح والشراكة نقيضان، فيما هما بالواقع يتكاملان، ولا يعطل أحدهما الآخر، بل العكس هو الصحيح؟
رابعا: من الذي عود اللبنانيين على ترقب إشارات الخارج قبل أي خطوة داخلية، منذ عام 2005، حتى لا نعود إلى عهد الوصاية؟
خامسا: من الذي أعطى وعودا متناقضة داخليا وخارجيا، فوقع في فخ المصالح المتشابكة إقليميا ودوليا، قبل أن يدخل نفق التخبط بحثا عن مخرج وضوء؟
أمّا على خطّ “بيت الوسط” فساد الصمت المطبق بعد إتهام وطاويط القصر الجمهوري بتعطيل أي مسعى توافقي.
وتبقى النتيجة واحدة لا غير: لا حكومة في المدى المنظور، وترك اللبنانيين يقلّعون أشواكهم بأيديهم. وما أكثر تلك الأشواك!
المصدر:لبنان 24