بقدر ما حقق “حزب الله” من إنجازات على مستوى المنطقة خاصة بعد العام 2011 ومشاركته في الحرب ضد الإرهاب في سوريا إلى جانب الجيش السوري وروسيا وإيران، عطفاً على انتصار المقاومة في عدوان تموز 2006 وفرضها في السنوات الماضية قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل، بقدر ما طرحت علامات استفهام كثيرة وتساؤلات حول دور الحزب على الصعيد الداخلي لا سيما وأنه مكون أساسي ورئيسي في البلد، ويمكنه الدفع لو عقد النية والعزم على الذهاب بالتعاون مع بعض المكونات السياسية والمجتمع المدني إلى اقتلاع الفساد المتأصل في بنية النظام لا سيما وأنه ليس ركناً من منظومة الفساد المتجذرة في كل مفاصل الدولة ولن يكون.
عشية الانتخابات النيابية في أيار العام 2018، تعهد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله للبنانيين عموماً ولمناصريه وبيتئه الحاضنة على وجه الخصوص محاربة الفساد، معلنا نيّة الحزب شنّ حرب على الفساد عبر تشكيل إطار تنظيمي يشرف عليه شخصيّا، لكن ما حصل منذ نهاية العام 2019 وتحديدا منذ انتفاضة 17 تشرين، أن الحزب سار ولا يزال في طريق تكريس عدم انهيار نظام المحاصصة الطائفي ووقوفه موقفا متأرجحا وملتبسا من الحراك المطلبي بمعزل عن الارتباطات الخارجية لبعض الجمعيات التي كان لها دور بارز في إضاعة البوصلة الحقيقية لمطالب المنتفضين.
بدأ العام 2020 وبدأ يتضح معه خطر الانهيار المالي والاقتصادي وتغير الواقع السياسي اللبناني بوتيرة سريعة، لكن “حزب الله” أسوة بالقوى السياسية الحليفة له والتي على خصومة معها، لا يزال مصراً على أن يكون في موقع المتفرج على صراعات حلفائه حول الحصص رغم اقتناعه ويقينه أنه لن يكون بمنأى عن التهديدات التي قد تمس موقعه في حال استمر التدهور الحاصل.
لا شك أن “حزب الله” أخفق في العام 2020 في مقاربته للكثير من الملفات والتي تبدأ بتشكيل حكومة من لون واحد برئاسة الرئيس حسان دياب، مروراً بإهماله الواقع المعيشي والمطلبي مراعاة لحلفائه، وعدم إعطائه الأولوية الحقيقية للوضع المالي والاقتصادي، رغم إعلانه أننا سنتحمل مسؤولية كاملة في كل الملفات الداخلية على مستوى الإصلاح السياسي والإداري والإنماء ومواجهة الأزمة المعيشية؛ ومرد ذلك أنه يتجنب الاصطدام بحلفائه، فهو لا يبادر لوضع أي من أصدقائه الأساسيين عند حده، رغم إمساكه زمام امور الأكثرية النيابية، فهو على سبيل المثال لا الحصر يقف متفرجاً على رئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل الذي يواصل وضع العصي في دواليب تشكيل الحكومة العتيدة وكأننا نعيش ترف الوقت، علما أن “التيار الوطني الحر” من جهته، يحمل “حزب الله” مسؤولية عدم بناء الدولة لدواع مذهبية، في حين أن الفقر الذي ترتفع نسبته كثيرا في لبنان (ليست البيئة الشيعية بمعزل عنه)، قد تنعكس تبعاته وتداعياته السلبية عليه قبل غيره من القوى السياسية التي ليس لديها ما تخسره، علما أنه يدرك صعوبة الرهان على أي تغيير في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاهه لجهة فرض العقوبات على مسؤوليه وحلفاء له، عطفا على مسار التطبيع في المنطقة مع إسرائيل والذي ينذر أنه سيتوسع في العام 2021 ليشمل دولا خليجية وإسلامية اخرى.
ولأنه يدرك حقيقة الفسيفساء الداخلية وتعقيداتها، قرر “حزب الله”، وفق أوساط مراقبة، التعايش مع هذا الواقع على قاعدة المداراة، في حين أن المطلوب منه مقاربة جديدة للمستجدات السياسية والاقتصادية والمالية التي تفجرت دفعة واحدة في العام 2020، صحيح أن انعكاس الانهيار سيكون محدوداً لدى كوادره والعاملين في مؤسساته، لكن هناك بيئة شيعية بدأت تتخبط وتتململ أسوة بالبيئات الأخرى مما تعيشه وتبدي قلقاً مما ينتظرها في الأشهر المقبلة مع رفع الدعم وارتفاع سعر الصرف، هذا فضلاً عن أن فئات كثيرة من الشعب اللبناني لا تكف عن تحميله مسؤولية الضغوطات المالية الخارجية على لبنان ومقاطعة الدول الخليجية لهذا البلد والتي ترجمت بامتناع رعايا دول مجلس التعاون عن المجيء إلى لبنان وتوقف حركة الاستثمارات الخليجية.
فهل يدرك “حزب الله” أن سياسات الترقيع ومحاولات إنعاش النظام السياسي الحالي لم تعد تجد نفعا؟
لا شك في أن كل الخطابات والإطلالات باتت قاصرة عن إدراك عمق الازمة، تقول مصادر مطلعة لـ”لبنان 24″؛ وبمعزل عن أن صيرورة الأحداث ليست بيد حارة حريك وحدها، لكن لا بد لقيادة “حزب الله” أن تتجاوز الخطاب الترقيعي التكتيكي وتنتقل إلى خطاب عملاني وانقاذي، فاستعراض بعض الملفات التي تدور حولها شبهة الفساد وهدر المال العام في إطلالات إعلامية لبعض النواب لم تعد صالحة في مخاطبة الرأي العام الذي حفظ هذه “المستندات” عن ظهر قلب لكنه لم يسمع عن محاسبة أي من المرتكبين في القضاء الذي يعلم “حزب الله” نفسه أنه سيكون عاجزاً عن الوصول إلى النهاية في الملفات التي تحال عليه.
لقد تعاطى “حزب الله” مع الفساد وفق قاعدة “اللهم أشهد أني بلغت”، فإذا تجاوب القضاء كان به، وإذا امتنع عن قصد أو غير قصد يكون قد برأ ذمته، تقول المصادر نفسها؛ ولأنه يدرك أكثر من أي وقت مضى أن هذه السياسة باتت منتهية الصلاحية.. فهل يجري “حزب الله” توازياً مع التطورات التي قد تشهدها المنطقة العام 2021 مراجعة جدية لأدائه ليبني عليه مقتضاه في ما يتصل بالحلول الجذرية المتعلقة بالنظام السياسي والوضع الاقتصادي وبناء الدولة؟ خاصة وأنه بات اليوم عرضة للاتهامات من كل حدب وصوب ولو كانت بعض هذه الاتهامات لذر الرماد في العيون، ويتحمل تداعيات سياسات الطبقة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى قعر الهاوية.
المصدر:لبنان 24