ودّع البرلمان اللبناني العام الأسوأ على اللبنانيين بإنجازٍ يعتدّ به أمام الرأي العام المحلي والدولي على حدّ سواء، بأن علّق مفاعيل السريّة المصرفيّة لمدّة عام، لتشمل ليس فقط حسابات مصرف لبنان بل كلّ الوزارات والإدارات الرسمية والصناديق، بعدما أعاقت مفاعيل السريّة المصرفيّة التدقيق الجنائي ودفعت بشركة Alvarez & Marsal إلى الإعتذار عن استكمال المهمّة التي بدت مستحيلة.
القانون الجديد أعاد إحياء الأمل بإمكان استكمال التدقيق الجنائي، ولكنّنا رغم ذلك نخشى التفاؤل ونقارب الإنجاز النيابي بحذرٍ، كيف لا، والتجارب القريبة كما البعيدة علّمتنا أنّنا نحيا في بلد غالبًا ما لا يطبّق قوانينه. ولشدّة لا ثقتنا، نتوجس أن يكون نواب الأمّة قد فخّخوا القانون وأخفوا قطبة من هنا أوهناك، من شأنها أن تجعله وكأنّه لم يكن.
انطلاقًا من هنا سألنا أحد العالِمين العارفين بالقانون والدستور المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك، الذي بدا مطمئنًّا إلى المسار الذي سلكه التشريع، وفي حديث لـ “لبنان 24” إعتبر أنّ المجلس النيابي حوّل القرار الذي اتخذه في السابع والعشرين من تشرين الماضي إلى قانون من خلال دمج أربعة اقتراحات، وأسقط قانونًا كافة الموانع والحجج من أمام التدقيق الجنائي في المؤسسات العامة. بالمقابل لفت مالك إلى أنّ العبرة تبقى للنوايا ولحسن التطبيق “بالتالي أمام إسقاط الموانع بات يقتضي التعاون من قبل الجميع مع متطلّبات التدقيق الجنائي من دون أي حجج، وبات لزامًا على الحكومة إمّا إعادة تفعيل العقد مع شركة ألفاريز، من أجل إعادة إطلاق التدقيق الجنائي، أو الذهاب نحو التعاقد مع شركة أخرى”.
ولكن في حال رفضت الشركة استئناف مهمّة التدقيق الجنائي، هل يحقّ لحكومة تصريف الأعمال أن تنجز عقدًا جديدًا مع شركة أخرى؟ أم يتطلب الأمر إنتظار تأليف حكومة جديدة؟
وفق مقاربة مالك، لا يمكن التذرّع إطلاقا بكون الحكومة في مرحلة تصريف أعمال، فطبيعة المهمة تفرض على الحكومة معالجتها وإيجاد الحلول لها. من جهة أخرى، وبحال اتجهت الحكومة للتعاقد مع شركة أخرى، يكون ذلك إنفاذًا لقرار سبق للحكومة أن اتخذته قبل أن تستقيل، بالتالي نحن اليوم أمام قرار صادر عن مجلس الوزراء رقم 3/2020، ذهب باتجاه اعتماد التدقيق الجنائي والتعاقد مع شركة متخصّصة ورُصدت الأموال والإعتمادات اللازمة لذلك. وحكومة تصريف الأعمال تعمل على تطبيق هذا القرار الذي سبق لمجلس وزراء أن اتخذه في مرحلة سابقة. من هنا لا أرى أنّ التعاقد مع شركة أخرى يُعتبر خروجًا عن المفهوم الضيق لتصريف الأعمال المنصوص عنه في الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور”.
البرلمان أضاف فقرة إلى القانون ليشمل القرارات السابقة للحكومة، الأمر الذي سيسمح بأن تكون القرارات السابقة نافذة أيضًا. “من هنا عمل المجلس على سدّ كافة الثغرات أمام أيّ ذريعة ممكن أن تصدر عن أيّ مرجع كان. اليوم الهدف هو التطبيق الجنائي ومعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة الاجتماعية وإنقاذ ما تبقّى، ولكن بطبيعة الحال الأمور مرهونة بالتطبيق وبحسن النوايا”.
إذن كرة إعادة تفعيل التدقيق الجنائي في ملعب الحكومة، والإجراء الإصلاحي هذا مطلب دولي، من دونه لن تتمكّن الحكومة المقبلة من التفاوض مع صندوق النقد والجهات المانحة، ومن دونه لن يكون بمقدور الشعب اللبناني معرفة مصير الودائع في المصارف.