ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
بات واضحاً أن الوضع اللبناني ينحو صوب الأسوأ، يتجه وبسرعة جنونية نحو الغرق في وحول أمنية، أو بالأحرى ثمّة من يجرّه في هذا الاتجاه، وفي لحظة الإنهيار اللبناني يصبح الانغماس في جورة من الطين أمراً بالغ الخطورة وقد تأتي تأثيراته العميقة على الواقع الهش أصلاً.
ثلاث رصاصات أطلقت على المصوّر جو بجاني في الكحالة، أدّت إلى إنكشاف البلاد أمام سيناريوهات أمنية عدة. البعض “رجعَ” في الحديث إلى عودة الاغتيالات والتصفيّات الجسدية مرتكزاً على سلسلة تقارير، وهو ما كانت قد حذّرت منه مراجع أمنية رسمية قبل فترة، وآخرون من “أبناء الكار” يؤكدون أن ثمة طرفاً ما، يجري إستقصاء هويته، يريد إستغلال المخاوف الأمنية والظرف الراهن عبر تولي تنفيذ عمليات “لها وقع أمني، وتستثمر في مجال زعزعة الأمن وخلق فتنة”.
وما حصل في الكحالة، وعلى شدّة غموضه يسترعي الانتباه من حيث توقيته، فإنتقاء “هدف” يصنّف في خانة المعايير الأمنية أنه “ليس من ضمن نطاق الاهداف المهمة” أو بشكلٍ أدق “غير متوقع”، فيه من الإشارات والدلالات ذات الوزن الأمني ما فيه، ولا يمكن إغفال وجود خلفيات للتلاعب بالوضع الأمني وايضاً لا يُمكن فكّه عن السياق العام الجاري إعداد البلاد للدخول إليه، أي الفوضى، وتزامن الحادث مع ملاحظة أكثر من جهاز أمني حصول ترتيبات معينة تتقاطع ما بين الإعلام والميدان يدعو إلى الشك والارتياب، ويجدر أخذ ما حصل على محمل أكثر من جاد.
من يقرأ الخط البياني الحالي يجد أن العنف الاجتماعي في البلاد يتّجه للإفصاح عن ذاته بشكل صريح وبطبائع شرسة. على مقربة من ذلك، ثمة من يعمل على تغذية هذه الحالة بعوامل إضافية، على شاكلة بثّ تقارير تلفزيونية تتحدّث عن “وضعيات فساد” نشأت في الدولة، سمتها أنها توزع المسؤوليات على أكثر من جهة وفريق وتتحدث بلغة الارقام، اللغة التي تعشقها الجماهير، وهو ما يلاقي إهتماماً لدى الجانب الأمني الذي يمتلك معطيات حول وجود جهات ومنظمات NGO’s وغيرها، تعمل ليس فقط على وظيفة التزويد بالمعلومات بل وتجهيز أرضية صلبة للانطلاق بإحتجاجات مماثلة لتلك التي شهدتها البلاد خلال مرحلة 17 تشرين 2019 لكن بزخم أكبر و بفاصل زمني لا يبعد أكثر من الربيع المقبل على أن يكون الشتاء الحالي فترة إعداد وتحضير، لا سيما التجهيز الفكري والمعنوي.
خلال فترة 17 تشرين ساهمَ إرتفاع سعر الصرف مقابل الدولار في تحفيز الناس على النزول إلى الشارع وقد إستثمر ذلك لفترة من الزمن. حدث هذا حين كان الدولار يلامس سعر 2000 ل.ل، فكيف بالوضع الآن في ظل طرق الدولار باب الـ10.000 ليرة؟
هذا يعني عملياً إنفلاتاً في الشارع بشكل أكبر. خلال الأيام الماضية شهدنا على حالة مماثلة في شارع “بليس” يُمكن اسقاطها على الأيام المقبلة. ماذا لو تكرّر الأمر لكن على نطاق أوسع؟ نطاق يتداخل فيها السياسي بما هو أمني واقتصادي ومالي واجتماعي. واستطراداً، ما هو موقع الجيش اللبناني تحديداً من الذي يُحضّر له وكيف سيتصرّف خاصة وأن إستطلاع أجواء المؤسسة العسكرية يوحي أن ثمة من يعمل على محاولة استدراجها لاشتباك داخلي؟ وماذا لو سقطت دماء؟ أو على وجهٍ ادق، هل المطلوب سقوط دماء…؟
الأوامر المعطاة للعسكريين تفرض عدم التعاطي “بخشونة” مع المتظاهرين. مديرية المخابرات وفي ظل إدارتها الجديدة تتعامل بالمثل. هي تتجه إلى بلورة نماذج تعامل جديدة وتعاطىٍ جديد مع المسألة لا سيما بعدما بلغته من خطورة، وتحت خانة “مراعاة السلم الأهلي”. مع ذلك، هناك تحديات لا يمكن تجاهلها. تخيلوا مثلاً أن ينفجر الدعم متلازماً مع تهاوٍ سريع في سعر صرف الدولار معطوفاً على إستهدافات أمنية يجري تصويرها على أنها مرتبطة بقضية إنفجار المرفأ، كيف سيكون عليه حال الشارع؟ الصورة تنحو باتجاه السوداوية، أو بالأحرى إجراء ترتيب على الواقع السياسي تحت ذرائع شتى، فما لم ينجح في تطبيقه زمن 17 تشرين يعيد البعض المحاولة في 17 آخر، ولا خلاف حول تسميته ولأي شهر سينتمي. الآن البيئة أكثر انشداداً نحو الفوضى، الفوضى التي يظهر أن ثمة من يمهّد لاشعالها بطرقٍ شتى.
و”حزب الله” يتموضع في وسط قائمة الأحداث بل في صلب خانة المستهدفين. مشروع “شيطنة الحزب” نشط منذ فترة، وقلما نشهد أحداثاً لا يتم ربطها بالحزب. بهذا المعنى يصبح الحزب منخرطاً في الأحداث ولو لم يرد ذلك، وخلال الفترة المقبلة سيتعاظم استهداف الحزب ودوره، لذلك نجده يميل صوب المواجهات القضائية، ولهذا الاستهداف اهدافه طبعاً، منها جرّه إلى إشتباكات في الداخل، أي عملياً دفعه صوب “حفرة الوحول نفسها”…
ليبانون ديبايت