زَحمةُ السير الخانقة التي فرضت نفسها ضيفاً ثقيلاً على الضاحية الجنوبية لبيروت خلال الأيام الماضية لم تمتلك القدرة على إخفاء معالم التأهّب الأمني الحاصل الذي ينفذّه حزب الله، ولا خطة السير “الفاشلة” التي يتم تنفيذها على وقع الصخب و “التأفف” الشعبي منها.
مُنذ مدّة، يتّخذ حزب الله في مناطق نفوذه كافة، لا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت، تدابير إحترازية مدروسة تتولى تنفيذها عناصر أمنية باللباس والمركبات المدنية ذات الزجاج الداكن منزوعة اللوحات. يقوم هؤلاء بأعمال الحراسة والمراقبة خلال فترة الليل، وقد وزّع العناصر – الحراس – على “ورديات” (نوبات عسكرية) ضمن فرق تقسم أدوارها طوال الأسبوع. يحدث ذلك على وقع تحذيرات أمنية رسمية من مغبة حصول عمليات اغتيال لشخصيات على غرار ما حصل في العاصمة الإيرانية طهران قبل مدّة وجيزة.
الموضوع، على ما يبدو عليه الامر، أصغر من “نفير عام” وأكبر من “حالة إستنفار”، يمكن القول انه كناية عن مناورة مرئية وصامتة وفي نفس الوقت، لديها أهداف موضوعية ذات علاقة بالحساسية الامنية المرتفعة في المنطقة، والأهم من ذلك كله إرتباطها بالصراع الأمني المستتر الذي تدور رحاه بين حزب الله وتل أبيب منذ مدة ليست بالقصيرة.
منذ “غزوة معوض” عام 2019، دخل حزب الله في حالة جديدة من الصدام الأمني مع اسرائيل. باتت الفرضيات بالنسبة إليها مفتوحة، فمن يتسلل تحت جنح الليل الكترونياً بحثاً عن ناشطين في الحزب أو أهداف على صلة به، يستطيع أن يتسلل بشرياً، او ربما يستطيع أن يجري عمليات مسح بشكل مرتاح، لذلك قرر حزب الله خوض المواجهة الجديدة، لا بل القيام بعمليات استباقية ذات إيحاءات أمنية في عمق الضاحية، موجهة حصراً إلى الاسرائيلي الذي يشاهد ويرى ماذا يحدث على الأرض من السماء، وبات على علم يقين بخطة إرباكه التي تتولى تنفيذها قيادة المقاومة.
خلال الايام الماضية روّجت أنباء عن عمليات كوماندوس جرى تنفيذها على تخوم الضاحية كناية عن عمليات إنزال بحرية تولت القيام بها مجموعات محترفة تابعة لفرق في الجيش الاسرائيلي.
البعض غاصَ كثيراً في هذا الاحتمال وتحليله وصولاً إلى رمي معلومات عبر الإعلام حول تسلل مجموعات إسرائيلية إلى داخل الضاحية أو إلى مناطق تقع على مقربة من الشاطئ، ثم خرجت من دون اي احتكاك يذكر ما دفع بقيادة حزب الله إلى إعطاء إيعاز بجهوزية كاملة ترجمت على شكل إنتشار أمني دائم ومكثف، وهي روايات تدحضها جملة وقائع من بينها أن مسألة الانتشار الأمني لا تمت بأي صلة إلى حالة من هذا النوع، بالاضافة إلى أن الأجهزة الأمنية لم تثبت أي واقع مشابهة.
ثمة عامل إضافي، أنه وخلال الفترة التي ادعيَ خلالها بحصول إنزالات من جهة البحر، لم يرصد في سماء بيروت أو منطقة الضاحية أي حركة إستثنائية سواء لمقاتلات أو “درونات” إسرائيلية، علماً أن أي عملية مشابهة وبهذا المستوى، لا بد من إحاطتها بجملة ترتيبات تقنية ولوجستية وعسكرية لا يمكن إخفاء معالمها.
هذه المعلومات، توصل إلى استنتاج نفي حصول إنزالات خلال المدة الماضية معززة برأي مصدر أمني رسمي كشف لـ”ليبانون ديبايت” عدم امتلاك الجهات الأمنية الرسمية معلومات حول الموضوع الذي يضعه في إطار “التكهن واختلاق أحداث غير موجودة لأهداف مجهولة” مع العلم أن الاجهزة المعنية فضّلت عدم التعليق على تلك الروايات لعدم تضخيمها، علماً أن أي حالة من هذا النوع محتملة الحدوث نظرياً وغير مستبعدة طالما أن الحرب الامنية بين حزب الله و تل أبيب باتت على المكشوف وتأخذ أشكالاً متنوعة.
المصدر: ليبانون ديبات
