“انفجرت” العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، كما لم تفعل منذ تكليف الثاني تشكيل الحكومة، من دون “مباركة” الأول، بل كما لم يحصل حتى يوم قدّم الحريري لعون تشكيلته المتكاملة، فخرج حاملاً “طرحاً مُضادّاً”.
هي “حرب بيانات” اندلعت بالأمس بين مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية والمكتب الإعلامي للرئيس المكلّف، “فضحت” ما كان “مستوراً” في الأيام القليلة الماضية على خطّ تأليف الحكومة، وأثبتت، بما لا يترك مجالاً للشكّ، أنّ كلّ ما أثير إعلاميّاً عن “تقدّمٍ مُحرَزٍ” تارة، و”ولادة ميمونة” تارةً أخرى، مجرّد “وهمٍ” لا أساس له من الصحّة.
ولعلّ “خطورة” السجال “العاصف” الذي اندلع بين بعبدا وبيت الوسط، يكمن في “السابقة” التي سجّلها، بعدما كان الطرفان يلوذان بالصمت المُطبَق منذ اليوم الأول، ويروّجان لمنافع استراتيجية “التكتّم” المُعتمَدة، والتي أصبح واضحاً أنّها لم تهدف عملياً سوى إلى “التغطية” على حقيقة “الأزمة” الحكوميّة المفتوحة على ما يبدو…
قد تكون النقطة “الإيجابية” في بيانات بعبدا وبيت الوسط “الناريّة” أنّها نقلت للمرّة الأولى، وبعد طول أخذٍ وردّ مغلَّفَيْن بالسرية غير البنّاءة، السجال من الكواليس إلى العلن، واضعةً حدّاً للتستّر خلف “المصادر الصحافية” التي يحلو لكثيرين التشكيك بصدقيّتها، بمناسبةٍ ومن دونها، فإذا بمكاتب الإعلام تكرّر بالحرف الكلام الذي أطلقته طيلة الأسابيع الماضية.
ولكن، من هذه الإيجابية، تتفرّع سلبيّة شديدة، تتمثّل في “المراوحة” التي فضحتها البيانات، والتي أكّدت أنّ الأمور، بخلاف كلّ ما يروَّج، ما زالت قابعة في المربع الأول، بل في النقطة الصفر، وربما ما دونها، حتى أنّ مصطلحاتٍ كان يُعتقَد أنّ “الجدال” حولها قد انتهى وولّى، حلّت في الصدارة، من “وحدة المعايير” إلى “تسمية الوزراء” وما بينهما من “تفرّد” و”شخصيات حزبية” وما شابه.
ويقود مثل هذا الاستنتاج إلى “تثبيت” التحليل الذي فُسّرت على أساسه زيارتا الحريري إلى بعبدا الأسبوع الماضي، بعد “اعتكافٍ” دام أسابيع، والذي صنّفها على أنّها “رفع عتب”، لا أكثر ولا أقلّ، في ظلّ انعدام أيّ “أملٍ” من قدرتها على تحقيقها أيّ “خرق” يمكن البناء عليه، في ضوء تعنّت كلّ طرفٍ وتمسّكه بما يطالب به، دون زيادةٍ أو نقصان.
“عقدة العقد”
بيد أنّ العارفين يضيفون إلى ما سبق “تعقيداً” في غاية السلبية تمظهر من خلال بيانات الأمس النارية، إذ إنّ كسر الحريري لصمته واعتكافه، قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا يمكن أن يُعَدّ مؤشّراً إيجابيّاً، بل إنّه يعكس في أفضل الأحوال، وصوله إلى “قناعةٍ راسخة” باستحالة تشكيل الحكومة في ظلّ الوضع القائم.
ويشير العارفون إلى أنّ الحريري “تعمّد” نقل “السجال” إلى العلن، انسجاماً مع الهدف الذي أراد تحقيقه من “تحريك” الملف الحكوميّ الأسبوع الماضي، وهو القول للجميع، ولا سيّما للرأي العام، بمختلف شرائحه وفئاته، “اللهم إنّي بلّغت”، عبر رمي الكرة في ملعب بعبدا، خصوصاً بعدما أعادها له رئيس الجمهورية، بهجمةٍ مرتدَّة يقول المقرّبون من الحريري إنّها لم تكن “موفّقة” شكلاً ومضموناً.
وتبقى “عقدة العُقَد” وفق هؤلاء، ووفق ما ظهر بوضوح في البيانات النارية، كامنة في “الثلث المعطل”، الذي يصرّ رئيس الجمهورية، ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، على المطالبة به في الحكومة، تحت طائلة “تطييرها” عن بكرة أبيها، وهو ما يرفضه الحريري جملةً وتفصيلاً، متسلّحاً بصيغة “الثلاث ستّات”، علماً أنّ مقرّبين منه يستهجنون تمسّك عون المُبالَغ به بوزيرٍ مُضاف إلى حصّته، مع أنّه قادرٌ بسهولة على اجتذابه، من خلال الحلفاء.
يحلو للكثيرين “التفاؤل”، رغم “التوتّر” الذي سيطر على الأجواء في الساعات الماضية، وفق القاعدة اللبنانية الشهيرة “انفجري حتى تنفرجي”. إلا أنّ المقاربة “الواقعية” للأمور تجعل من المستحيل رؤية أيّ “انفراجٍ” يلوح في أفق الحكومة العاصِف والملبَّد، أقلّه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا…