ما كان ينقص الشعب اللبناني سوى التحذيرات من إمكانيّة عودة الإغتيالات السياسية والأمنية في لبنان، والحديث عن أنّ إسرائيل تنوي إقامة حرب واسعة في المنطقة على جبهات متعدّدة من بينها لبنان، لكي يكتمل معه الإطباق على عنقه وإيصاله الى الموت الفجائي والسريع. فرغم الوضع الإقتصادي والمالي المتردّي، ووباء «كورونا» الذي يزداد تفشّياً، وخيبات الأمل التي يعيشها من سياسييه الذين أوصلوا البلد الى حافة الإفلاس، لا يزال اللبناني يُكافح ويُناضل، على أمل تغيّر الأوضاع والنهوض الإقتصادي عودة الإزدهار. أمّا التلاعب بالأمن فهو «خط أحمر» لا سيما في ظلّ الوضع المأسوي الذي يعيشه على الصعد كافة.
أوساط ديبلوماسية متابعة رأت بأنّ ما اتخذه المجلس الأعلى للدفاع من قرار تكثيف الإجراءات الأمنية خلال فترة الأعياد والتركيز على الأمن الإستباقي لإحباط مشاريع العبث الأمني طمأن الشعب نوعاً ما. إلاّ أنّ مواصلة الحديث عن توتّر الوضع الأمني إن عبر الإغتيالات التي لا تؤدّي بطبيعة الحال الى اغتيال الشخصية بمفردها إنّما كلّ من يحيط بها، أو عبر التهويل بالحرب التي قد تشنّها إسرائيل على «حزب الله» في لبنان، على غرار ما حصل في آب من العام 2006، فهي التي تُقلق اللبنانيين. فالصراع الأميركي – الإسرائيلي المستمرّ مع إيران هو الذي يجعل العدو الإسرائيلي يُهدّدها بضربة عسكرية، أو بالقيام باغتيال أبرز الشخصيات الإيرانية، على غرار ما فعل أخيراً باغتيال العالِم الإيراني النووي مُحسن فخري زادة، أو حتى بضرب بعض أجنحتها في دول المنطقة مثل لبنان وسوريا والعراق.
وتقول الأوساط، إنّه بحسب المعلومات، رغم أنّ الكيان الإسرائيلي يُحاول بشكل دائم التهويل والتهديد بتوتير الوضع الأمني في لبنان، وبشنّ حرب جديدة عليه بهدف إشغال الداخل اللبناني، إلاّ أنّه في الواقع ليس جاهزاً للمبادرة الى إشعال الجبهة الشمالية مع الجنوب اللبناني إذ تنقصه التدريبات والمعدّات وما الى ذلك. ولهذا فإنّ تهديداته ستقتصر على التلويح بالحرب، أو على القيام ببعض الضربات العسكرية عندما يتمكّن من ذلك.
أمّا محاولة انزلاق الوضع الأمني الداخلي الى مواجهات أو اشتباكات أمنيّة عن طريق التحريض الطائفي الحاصل في مختلف الجامعات، كما لا يزال التوتّر الطائفي قائماً بين السياسيين الذين يصطفّون الى جانب بعضهم البعض وفق مراكزهم وطائفتهم، فهو أمر مستبعد حالياً. فالصراع يقوم اليوم على الركض وراء لقمة العيش في ظلّ تهديد وباء «كورونا» حياة الجميع في لبنان والعالم.
ولفتت الأوساط، الى أنّ السياسيين أخذوا موضوع الإغتيالات السياسية على محمل الجدّ، إذ حدّوا كثيراً من تنقّلاتهم، وعزّزوا الأمن من حولهم، سيما وانّ عدداً منهم قد وصلت التهديدات الى مسامعه. كما قلّل اللبنانيون من تواجدهم في الأماكن القريبة من منازل ومكاتب القيادات السياسية لئلا يتعرّضوا أيضاً للمخاطر.
لكن ما لا يضعه المسؤولون في حساباتهم فهو التوتّر في الشارع الذي تتوقّع الأوساط نفسها أن يعود، فور رفع الدعم عن السلع الغذائية والمواد الأساسية والنفط من دون توفير أي بدائل، لأنّ الشعب الذي يزداد فقراً بفعل «مصادرة» أمواله من قبل المصارف لم يعد قادراً على تحمّل كلّ هذه الأعباء التي تُرهق حياته أكثر من أي شعب في العالم. وهذا التوتّر قد يُحدث نوعاً من الفوضى في الشارع مُجدّداً ويؤدّي الى شلّ الحركة الإقتصادية في البلد، ولكن ليس الشهر الحالي، إنّما في الأشهر القليلة المقبلة.
وفيما يتعلّق بالإتهامات التي كالها البعض لحزب الله بأنّه المسؤول عن كارثة مرفأ بيروت، فيبدو أنّها لن تؤدّي الى العنف والتوتّر في الشارع، على ما كان يُراهن البعض. فبعد أن وجّه القاضي فادي صوّان الذي يُحقّق في انفجار مرفأ بيروت الإتهامات الى كلّ من رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال حالياً حسّان ودياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس لتورّطهم في إهمال تخزين أطنان نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 في المرفأ، اتجهت الأنظار الى ناحية أخرى.
لهذا، فإنّ لبنان ينتظر التسويات الإقليمية والدولية، على ما ذكرت الأوساط، في ظلّ اتهام الرؤوس الكبيرة بالإهمال ما أدّى الى انفجار نيترات الأمونيوم والتسبّب بكارثة كبيرة أودت بحياة نحو 200 شخص بريء، وشرّدت 200 ألف عائلة وأدّت الى جرح وإعاقة نحو 6000 شخص. هذا الأمر الذي من شأنه تغيير بعض المعطيات على الأرض لكنّها لن تؤدّي حتماً الى المزيد من التوتّر بل من العودة الى التظاهرات في الشارع.
المصدر: الديار