كتب منير الربيع في “المدن”: ثمة من لا يغيره مرور الزمن وتبدل الأحوال، ويحسب أنه محور التاريخ.
التشكيلتان الحكوميتان المتضاربتان اللتان تبادلهما الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، أعادتا إلى الذاكرة أيام كانت في لبنان حكومتان: عسكرية برئاسة ميشال عون، وأخرى مدنية برئاسة سليم الحص.
آنذاك كان هناك حاكم واحد لمصرف لبنان، وكانت الليرة اللبنانية في حال انهيار. واليوم يتكرر المشهد نفسه: ميشال عون يعود في طروحاته إلى ما قبل الطائف. ويستمر في خوض حرب الصلاحيات. فلا يؤدي ذلك إلا لمزيد من التعطيل واستمرار الأزمة. الحكومة ليست قريبة، والبلد كله في حال انهيار مستمر، وتشكيل الحكومة ليس بقريب. والمواقف أو الممارسات تتركز على تحويل ما تبقى من مؤسسات الدولة إلى متاريس.
ولو تشكلت الحكومة، ستتحول إلى حلبة جديدة من حلبات الصراع المفتوح. وكل ما سيطرح حول طاولة مجلس الوزراء لن يكون إلا متاريس للتراشق من خلفها بين القوى السياسية. حروب مفتوحة في الاتجاهات والقضايا كلها.
فرئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل يخوضان حرباً شاملة تحت عنوان “عليّ وعلى أعدائي”. فيفتحان ملفات في إدارات ومؤسسات متعددة في الدولة: من الجيش اللبناني، إلى المصرف المركزي، وصندوق المهجرين، ومجلس الجنوب، ومجلس الإنماء والإعمار، وشركة طيران الشرق الأوسط، وغيرها الكثير من المؤسسات والإدارات.
غرفة أوضاع باسيل
لخوض هذه المعركة – وخصوصاً بعد العقوبات الأميركية عليه بتهمة الفساد – أنشأ باسيل قبل مدة، غرفة أطلق عليها “غرفة الأوضاع”. ومهمتها متابعة وإثارة الملفات القضائية وملفات الفساد. وقد بدأت بفتح ملفات ضباط سابقين وموظفين في إدارات ومؤسسات أخرى.
ومن الواضح أن الحرب هذه ستستمر، وتتوسع آفاقها في اتجاهات مختلفة. وهذا ما سيوتر الأجواء طائفياً ومذهبياً وسياسياً. فبعض القوى السياسية التي تعتبر نفسها مستهدفة في هذه الحملات، تستعد للردّ المضاد، على قاعدة أنه لا يمكن لعون وباسيل استهداف الجميع وتنزيه أنفسهم.
غرف الحريري وبرّي وجنبلاط
الرئيس المكلف سعد الحريري عمل على تشكيل غرفة مضادة، تضم قضاة ومحامين وإعلاميين، في إطار التحضير لتلك المعركة التي ستكون مفتوحة وواسعة. وكذلك يفعل رئيس مجلس النواب نبيه برّي: يجهز فريق عمل لإعداد ما يلزم لردّ التهم عنه وتصويب الأمور في مواجهة رئيس الجمهورية وولي عهده. وذلك بملفات عديدة أبرزها الاتصالات والطاقة.
الحزب التقدمي الإشتراكي ووليد جنبلاط ليسا ببعيدين من توجهات المستقبل وحركة أمل. فالحزب يعدّ العدة أيضاً لتحضير ملفات لتسليمها إلى القضاء، وتشكيل لجان تحقيق برلمانية للتحقيق والتدقيق في الوزارات والمؤسسات التي سيطر عليها التيار العوني.
“حرب أهلية” داخل المؤسسات
أخطر ما في هذه المعارك أنها قابلة في أي لحظة للانعكاس توترات أهلية في الشارع وفي المناطق. وهذا ما يتجه بالبلاد نحو مقلب جديد أكثر خطورة وتدهوراً. في ظل عملية الشحن المستمرة التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاستنفار السياسي والمذهبي والطائفي.
وهكذا تتحول الأنظار عن الأزمات المعيشية والوضع الاقتصادي السيء والمتدهور. لتنحرف أنظار اللبنانيين عن همومهم الأساسية لتوفير لقمة العيش، والاهتمام بوضعم المعيشي والاقتصادي المزري. وهو وضع أوصلهم إليه زعماؤهم الذين ينصرفون الآن إلى حرب أهلية داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها لتصفية الحسابات في ما بينهم.
وفي بلد كلبنان، لا يمكن الوصول إلى نتيجة من هذه الحروب “الأخوية” شبه المحسوبة وشبه المسرحية. وجل ما تفعله أنها تؤسس إلى خطوط تماس جديدة، وتوترات أهلية. على غرار مشاهد حادثة قبرشمون قبل سنتين. أو مشاهد الاشتباك في محيط ميرنا الشالوحي والحدث، بين مناصري التيار العوني وحركة أمل.
إنها حرب متاريس داخل مؤسسات الدولة المنهوبة. ومن نهبها هم الذين ينصبون فيها متاريسهم لتبادل التهم وإعلان البراءة.