كتب غسان ريفي في “سفير الشمال“: لا حكومة تلوح في الأفق، خصوصا بعد “مسرحية” بإخراج ضعيف قدم فيها الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيلة وزارية مكتملة الى رئيس الجمهورية ميشال عون ورد الأخير عليه بطرح حكومي متكامل يراعي الأسس والمعايير، ما ضاعف من إحباط اللبنانيين الذين يفتشون عن خشبة خلاص تنقذهم من واقعهم الذي يزداد صعوبة ومأساوية.
لم يعد الانهيار في لبنان يقتصر على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية، بل بات يتعداها الى مؤسسات الدولة التي بدأت تتحلل الواحدة تلو الأخرى، وصولا الى تهديد مؤسسة القضاء التي يتطلع إليها اللبنانيون على أنها صمام أمانهم، ليكتمل بذلك “النقل بزعرور العهد” الذي يُمعن في ضرب وخرق دستور البلاد، ويسخّر كل طاقاته في سبيل تحقيق طموحات رئاسية عائلية، ولا يوفر المؤسسات التي تكاد تتحول الى أثر بعد عين.
لا شك في أن سلسلة الاستدعاءات العشوائية الى القضاء بدأت تضرب آخر مداميك الثقة في الدولة، خصوصا أن كثيرا من هذه الاستدعاءات لم يصر الى تلبيتها أو الالتزام بها بحجج وتبريرات مختلفة قدمها محامون، إضافة الى توجيه البعض إتهامات الى عدد من القضاة بالاستنسابية وبفتح ملفات “غب الطلب”، في وقت باتت فيه الغالبية العظمى من الطبقة الحاكمة وأزلامها ومحاسيبها فاسدة.
هذه العشوائية في الاستدعاءات وصلت الى حدود “خلط الحابل بالنابل”، ولم يعد معروفا الاستهداف السياسي من الحق القانوني، ومن المخالفات أو الارتكابات الحقيقية للقوانين المرعية الاجراء.
اللافت أن كل ذلك يجري في ظل غياب صدور التشكيلات القضائية والاستمرار في القبض على هذا الملف، حيث تستغرب مصادر مواكبة دعوة دوائر القصر الجمهوري مجلس القضاء الأعلى بهذا التوقيت بالذات للقاء الرئيس عون الذي شدد أمامه على ضرورة “إستكمال فتح كل الملفات وعدم الالتفات الى الاستهدافات الاعلامية”، فهل يلتقي إستكمال الملفات مع عدم توقيع مراسيم التشكيلات التي إقترحها مجلس القضاء الأعلى نفسه المدعو الى تفعيل القضاء؟، وكيف يطلب رئيس البلاد من أعلى سلطة قضائية أن تعمل وهو يقبض على التشكيلات التي تمثل روح العمل القضائي؟، وكيف يمكن لقضاء أن يكون مستقلا والتدخلات السياسية تضغط عليه وصولا الى إستخدامه في تصفية الحسابات؟، وهل هكذا تتم حماية القضاء؟.. كل هذه الأسئلة تطرحها مصادر متابعة وتضعها برسم أصحاب القرار!
في المقابل، أصيب اللبنانيون بخيبة أمل كبيرة، بعدما شعروا بأن إنعدام المسؤولية لدى المعنيين بتشكيل الحكومة وصل الى حدود إيهامهم بأن الأمور تسلك طريقها نحو الحلحلة في الوقت الذي تزداد فيه تعقيدا بفعل “الأنانية السياسية” التي تتجلى سواء بتشكيلة الحريري أو بطرح عون.
بات واضحا من كل المعطيات، أن الرئيسين الحريري وعون لا يريدان تشكيل الحكومة، فالحريري ينتظر الانفجار الاجتماعي الكبير المحتم، ولا يريد أن يكون رئيس حكومة رفع الدعم عن المواد الأساسية بما يؤدي الى تجويع اللبنانيين، بل يعمل على التأجيل، لكي لا يتجرع الكأس المرة لما إصطلح على تسميته “ترشيد الدعم للتخفيف من الانفاق”، ويريد أن يحمّل وزر ذلك الى رئيس حكومة “الانجازات” حسان دياب الذي بات جسمه “لبّيس” من الانهيار الاقتصادي الى الادعاء عليه في قضية إنفجار مرفأ بيروت.
أما الرئيس عون فهو يتعمد الامعان في “تغطيس” حسان دياب بدعوته الى توسيع مفهوم تصريف الأعمال، وبالتالي تحميله المسؤولية المباشرة، ورفع أوزارها عن العهد الذي لم يتوان عن التضحية بـ دياب وحكومته من أجل حماية نفسه.
أمام هذه المراوحة القاتلة، والانهيار الشامل إقتصاديا وإجتماعيا ومؤسساتيا ووطنيا، وأمام الغضب الفرنسي خصوصا والدولي عموما على الدولة اللبنانية التي لا تريد أن تساعد نفسها، وأمام مآسي رفع الدعم الذي يفترس ما بقي من قوت اللبنانيين، فإن لبنان يتجه نحو فوضى غير مسبوقة قد تطيح بالسلطة والكيان على حد سواء، في حال لم يسرع المعنيون الى القفز فوق مصالحهم ومكاسبهم ولو لمرة واحدة فقط من أجل شعب لبنان العظيم.