لم “يطلع” مع جهابذة السراي الحكومي، الذين واصلوا الإجتماعات، سوى نتيجة واحدة. إكتشفوا بعد جهد جهيد، وبعدما عصروا أدمغتهم، وراجعوا مسلسل الأحداث منذ البدء حتى اليوم أن الحق على منقوشة الفقير في إنهيار الليرة اللبنانية وفقدان الدولار من الأسواق، وتبخّر الودائع من المصارف، ووصول البلد إلى هذا الدرك من التآكل والإهتراء.
نعم الحق، كل الحق، على هذه المنقوشة بزعتر، التي كانت تباع قبل الأزمة بألفي ليرة – الله لا يكسر حدن – إذ لولاها لكانت حال البلد أفضل بكثير، ولكان الناس يعيشون في بحبوحة ما بعدها بحبوحة، ولكانت أموالهم التي جمّعوها بعرق الجبين طيلة سنوات وسنوات من التعب والكدّ والحرمان لا تزال مستريحة في المصارف، ومن دون أن تتعرّض لخطر التبخّر.
هذه المنقوشة المستفيدة من دعم طحين الرغيف العربي فعلت فعلها. يكفي أن تكون قد رفعت كلفة الدعم، التي تهدّد إحتياطي المصرف المركزي، الذي لم يعد قادرًا على تأمين الدعم الكافي للقمح والمحروقات والدواء. هل تدرون ماذا فعلت تلك المنقوشة بالإقتصاد اللبناني؟
يشفق قلبي على هؤلاء الخبراء الإقتصاديين والماليين، الذين يدعون إلى إجتماعات السراي. دقّ الميّ ميّ. ما في حدا لا تندهي.
كل هؤلاء وما يملكونه من خبرات وعلم لم يستطعوا التوصل إلى ما يسمى “ترشيد الدعم”. إقتراحات كثيرة وأفكار على مدّ عينك والنظر، ولكن ولا واحد من هذه الإقتراحات قابل للصرف عندما تحزّ المحزوزية.
كلهم أو معظمهم رأوا المشكلة في المنقوشة. هل تعرفون أن ثمة أشخاصًا لا يأكلون سوى منقوشة طوال النهار؟ هل تعلمون أن هذه المنقوشة التي تحاربونها هي قوت الفقير، الذي لا يملك سوى ثمن هذه المنقوشة؟ هل تستكترون عليه أكل منقوشة مدعومة؟
لو كنتم تريدون “ترشيد الدعم” فعلًا كما تزعمون لكان حري بجميع المسؤولين، ومنذ سنوات، أن يحدّدوا الفئات الشعبية، التي كان يُفترض بها الإفادة من الدعم، فكان الفقير والغني يتساويان في الإفادة من السلع المدعومة، وهو أمر مقلق للغاية، لأن ذلك يكشف إمّا أن جميع المسؤولين لم تكن لديهم رؤية بعيدة النظر، ولم يستشرفوا إلى أين نحن واصلون، وإمّا إستفادوا من الدعم على كل صعيد، وهم في غير حاجة إليه.
أمّا اليوم فإن أي “ترشيد” لم يعد ينفع بعدما أصبح أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وهذا مردّه إلى سياساتكم “الفارطة” والغبية. أين الضريبة التصاعدية، ولماذا لم تعتمدوها في سياساتكم المالية؟ هل يُعقل أن يدفع من يقبض الحد الأدنى للإجور نفس الضريبة التي يدفعها من راتبه عشرات الآف الدولارات؟ لماذا لم تحاسبوا المتهربين من دفع الضرائب، وأنتم منهم؟
هذا الكلام لم يعد ينفع لأن الضرب بالميت حرام. ولو كان مثل هذا الكلام له تأثيره الإيجابي لكانت الأمور إصطلحت من زمان. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟