في خضم الضياع السياسي والمالي وتخبط الرهانات الخاسرة، يتنقل ملف الدعم بين المقرات الرسمية والوزارات ومصرف لبنان في اطار البحث عن حلول ظرفية لأزمة اقتصادية ومعيشية في غياب المعالجات الجذرية لما يواجه لبنان من مشاكل على الصعد كافة. فكل النقاشات سواء في بعبدا او السراي او البرلمان تدور في حلقة مفرغة وكل المقاربات الراهنة والتي حصلت في الاشهر الماضية حيال ملف دعم المواد الغذائية الاساسية والدواء والمحروقات تكاد تكون منفصلة عن الواقع، خاصة وان مصرف لبنان لن يستطيع الاستمرار لأكثر من شهرين بسياسة الدعم كما هي اليوم والتي استفاد منها الجميع الا الطبقة الفقيرة.
يتقاذف اصحاب الشأن كرة رفع الدعم بمصطلحات مختلفة لايهام الناس مجددا بأنهم منشغلون بانقاذهم من الازمة المعيشية والغلاء الفاحش مع ارتفاع سعر الصرف وغلاء الاسعار، بيد أن هؤلاء يبحثون تارة في خفض ساعات التغذية بالكهرباء لتوفير المحروقات وتارة برفع الدعم عن الادوية التي تعطى من دون وصفة طبية، وتارة اخرى يلمحون الى ضرورة اللجوء الى تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان، وهو محدّد بـ15 بالمئة من ودائع المصارف بالعملات الاجنبية وهذا لا يعني الا مسّا بأموال المودعين، وصولا الى طرح بعض الفرقاء فكرة اللجوء الى استخدام جزء من احتياطي الذهب المقدّر بـ17 مليار دولار خاصة وان 60 % منه موجود في لبنان وعلى قاعدة أنّه إذا كان هدف احتياطي المعدن الاصفر إبقاءه لليوم الأسود، فنحن في صلب هذا اليوم.
رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني يشدد في حديث لـ”لبنان24″ على ان القانون رقم 42/1986 منع منعاً مطلقاً بيع ذهب مصرف لبنان بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلاّ بنصّ تشريعي يصدر عن مجلس النواب، وبالتالي اي كلام عن تسييل الذهب أي تحويله الى سيولة لبيع جزء منه او رهنه يستدعي تعديل القانون 42 /1986، علما ان اللجوء الى استخدام احتياطي الذهب، بحسب مارديني دونه عقبات ومخاطر، فهو لن يساهم في حل الازمة الراهنة، انما سيعمقها اكثر، لأن المعضلة في لبنان اليوم مردها إلى ازمة النفقات التي تتجاوز الايرادات واللجوء الى التصرف بالذهب ليس الا عملية شراء المزيد من الوقت واعطاء لبنان جرعة من الاجراءات للصمود اشهرا اضافية قبل الانهيار الوخيم، في حين ان المطلوب الاسراع في انجاز الاصلاحات لتحقيق التوازن بين ايرادات الدولة ونفقاتها بدل الذهاب الى خيارات ليست صائبة، خاصة ان هناك طمعا باحتياطي الذهب وهناك من يسعى لبيعه وفقا لمصالحه الخاصة. فتبديد هذه الثروة التي قد يختفي جزء كبير منها عبر التهريب وفي زواريب الهدر والفساد، يعني ان فوائدها سوف تقتصر على كارتيل الكبار ولن يصل الى الشعب اللبناني من الجمل الا أذنه.
ورغم ان البعض يحبذ رهن الذهب من اجل استقدام القروض الكفيلة لإخراج لبنان من قعر المأزق المالي وتصحيح وضع المالية العامة وفق رؤية واضحة وبالتوافق مع صندوق النقد الدولي خاصة وانه يمثل مصدراً أساسياً لضخ السيولة بالعملة الأجنبيّة في ميزانيّات مصرف لبنان، فإن مارديني يرى أن قيمة العملة الوطنية مرتبطة باحتياطي العملات الأجنبية واحتياطي الذهب، وبيع الذهب على المدى القصير قد يثبت سعر صرف الليرة على 8000 لكن على المدى المتوسط كلما انخفض احتياطي الذهب كلما ارتفع سعر الصرف وانحدرت الليرة اللبنانية بشكل سريع لأن قيمتها مرهونة بقيمة الاحتياطي الموجود، وبالتالي فإن الدخول في لعبة تسييل الذهب أو هدر ما تبقى من الاحتياطي الالزامي يعني تسريع المخاطر التي قد تنجم بعد تدهور سعر الصرف الذي سيكون مرعبا وسوف يصيب ذوي الدخل المحدود والمتوسط وعلى وجه التحديد من يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية.
المصدر:لبنان 24