في جلسته الأخيرة التي أثارت الجدل على غير صعيد، لم يتبنّ المجلس الأعلى للدفاع مقولة “لا داعي للهلع” الرائجة لبنانيّاً، بل على العكس من ذلك، ومن خلال التحذير من “عمليات أمنية وتوتّرات”، أوصل رسالة واضحة للبنانيّين مفادها أنّ هناك “داعياً” للهلع وأكثر.
ما لم يصدر في البيان المكتوب للمجلس، جاء على شكل “تسريباتٍ” لم تتوقف منذ انتهاء الجلسة، أجمعت على “خطورة” ما تمّ نقاشه خلال الجلسة، من مخطّطاتٍ “فتنويّة” تُحاك للبنان، وبينها “عمليات اغتيال” تستهدف سياسيّين من الصفّ الأول، ومن مختلف الأطراف، في “محاكاةٍ” لسيناريو سبق أن خبره اللبنانيّون بشكلٍ أو بآخر.
وإذا كانت التسريبات أكّدت “تقاطع” المعلومات حول هذه المخطّطات بين أكثر من جهاز أمني، رغم عدم الكشف عن “مصادر” مثل هذه المعلومات، فإنّ هناك من يذهب أبعد من ذلك، بالقول إنّ “تحذيراتٍ” وصلت إلى عددٍ من السياسيّين المهدَّدين منذ فترة، وأنّ عدداً من هؤلاء يلازمون منازلهم، ويكادون لا يغادرونها لأيّ سببٍ كان.
الخطر قائم!
في المبدأ، ثمّة “تقاطع” بين مجموعة من المصادر المتابعة على أنّ “الخطر” الذي أثاره المجلس الأعلى للدفاع ليس من نسج الخيال، وأنّه قائم فعلاً، بل “سابق” لاجتماع الأسبوع الماضي، وقد انتشرت الكثير من “الروايات” حوله في الآونة الأخيرة، وتحديداً منذ الكشف عن خلية كفتون، وما تبعها من خطواتٍ تندرج في إطار “الأمن الاستباقي”.
لكن، بعيداً عن جوّ “الرعب” الذي أثاره المجلس، ثمّة من يشير إلى أنّ هذا الخطر ليس طارئاً ولا استثنائياً، وإن كان “الحذر” منه “واجباً” اليوم، بالنظر إلى الواقع السياسيّ والاقتصاديّ الكارثيّ، والمُهدَّد بالتفاقم أكثر، خصوصاً أنّ كلّ المُطّلعين على الأجواء الأمنية يدركون أنّ المخاطر تتضاعف دوماً في مراحل عدم الاستقرار، كالتي يشهدها لبنان حالياً، وسبق أن عاشها في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري مثلاً.
وإذا كانت “الوحدة الوطنية” هي السبيل الأنجع لمواجهة التهديدات الأمنيّة، على اختلافها وتنوّعها، في كلّ المحطّات والاستحقاقات، فإنّ غياب الحدّ الأدنى من مقوّماتها الأساسيّة اليوم “يفاقم” الوضع، كما يؤكّد العارفون، ممّن يشيرون إلى أنّ عدم وجود حكومةٍ أصيلة، وانعدام الجهود الجدّية لتجاوز عقبات التأليف، بعيداً عن بعض الخطوات الشكليّة، لأمرٌ “يبشّر” باقتراب “الكوارث” أكثر فأكثر من كلّ اللبنانيّين.
“وراء الأكمة ما وراءها”!
لكن، في موازاة مثل هذه التأكيدات والتحذيرات، والتي تكاد تصل إلى حدّ “قرع طبول الحرب”، بشكلٍ أو بآخر، ولا سيما في ظلّ وجود من يروّج إلى أنّ المرحلة “المجنونة” الفاصلة عن رحيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد لا تحمد عقباها، ثمّة من يسأل، هل إنّ ما يُحكى عن اغتيالات وتوتّرات نابعٌ من خوفٍ حقيقيّ مشروع، أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟!
فبعيداً عن تبنّي “نظرية المؤامرة” التي يحلو للبعض “إسقاطها” على كلّ ما يجري، من دون حدٍّ أدنى من المنطق والواقعيّة، هناك من يرى في “الترهيب” الصريح والعلنيّ الذي انبثق عن الجلسة الأخيرة للمجلس الأعلى للدفاع، مصدر “ريبة” أكثر من مشروعة، وكأنّ هناك من أراد “تبرير” انعقاد المجلس مثلاً، أو إيجاد “مَخرَجٍ” لقراراته التي يرى كثيرون أنّها خرجت عن صلب اختصاصه بشكلٍ أو بآخر.
ولأنّ “الهواجس الأمنية” قد تكون “الطبق” الأمثل لتبرير “استثنائية” المرحلة، التي تتطلب مقاربات “استثنائية” كالتي اتخذها المجلس الأعلى للدفاع، يرى كثيرون أنّ الحديث عن هذه التهديدات بالشكل الذي تمّ، يخفي وراءه نوايا غير بريئة، علماً أنّ خبراء أمنيّين يؤكّدون أنّ مثل هذه الأمور، ولو صحّت، لا ينبغي أن تُعالَج في العَلَن، خصوصاً إذا ما ثبُت أنّ المعنيّين تبلّغوا بالأمر، وتلقّوا النصائح اللازمة بأخذ الحيطة والحذر.
في لبنان، “تلازمٌ” شبه ثابت بين الأمن والسياسة، تكرّس على مرّ العصور، حيث كان لكلّ اهتزازٍ أمني، أياً كان مصدره أو شكله أو نوعه، دلالاته ووظائفه السياسيّة، وظائف قد لا يكون “معقَّداً” استنباطها في ظلّ الواقع الدقيق الراهن، الذي قد يكون “الأصعب” في تاريخ لبنان الحديث، ولو أنّ “الحذر واجب” في كلّ الأوقات!
المصدر:لبنان 24