المصدر: أساس ميديا
في ظلّ الوضع المتوتّر الذي يشهده الشّرق الأوسط مع الأيّام المُتبقّية من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي سيغادر البيت الأبيض بعد شهر ونصف الشهر، يتوسّع هامش التحرّك شبه الأحادي الذي يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في محاولة لحسم “أولويّات تل أبيب” قبل رحيل صديقه من المكتب البيضاوي واستلام الديمقراطي جو بايدن الذي بدوره لا يمكن القول إنّه معادٍ لإسرائيل، لكن يفضّل العمل بطريقة أخرى في منطقة حتّى السّاعة لا تُشكّل أولوية في أجندة الرئيس المنتخب.
بين غارات سوريا والتحليق المكثّف للطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع فوق لبنان بشكل شبه يومي واغتيال “أبي البرنامج النووي والصاروخي الإيراني” محسن فخري زاده، واستهداف أحد قياديي فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بغارة “مجهولة” على الحدود بين العراق وسوريا، والامتناع الإيراني حتى الساعة عن ردّ فعل سريع رغم كثافة الضربات التي يوجهها نتانياهو، لا بدّ من معرفة سلّم الأولويات على أجندة نتنياهو الذي قد نراه قريبًا يخوض انتخابات للمرّة الرابعة في أقلّ من سنتين، يكون هدفه فيها حسمها بشكل كامل ليُكمِل مسيرته كأحد “ملوك اليهود”، نظرًا للفترة القياسية التي تربّع خلالها على عرش مجلس الوزراء الإسرائيلي كأطول مدة بين كلّ أسلافه وأقرانه دون منازع.
يسعى زعيم اليمين الإسرائيلي للعمل في منطقة الشّرق الأوسط على أجندة من 3 أولويات لا رابع لها، واحدة في لبنان وأخرى في إيران والثالثة في سوريا. وهذه الأولويات الـ3 تُشكّل عامل قلق وأرقٍ لنتنياهو ورافعة انتخابية مهمّة في حال استطاع إحراز أي تقدّم فيها مجتمعة أو في إحداها.. وهي التالية:
1- صواريخ حزب الله الدقيقة:
خلال السّنوات القليلة الماضية، دأب رئيس الوزراء الإسرائيلي وإعلام جيشه على عرض خرائط تضمّ مواقع وإحداثيات زعم أنّها تضمّ مخازن أو مصانع يطوّر فيها حزب الله صواريخ ذكية مناطق مختلفة من لبنان، من بينها مرفأ بيروت الذي تعرّض لانفجار شبه نووي دخل التاريخ كثالث أقوى انفجار لا يُعلم سببه الحقيقي حتّى السّاعة، رغم احتمال تعرّضه لعملية أمنية أو ضربة جوية.
وبعد أسابيع قليلة من انفجار المرفأ، دوى انفجار عنيف في بلدة عين قانا في إقليم التفّاح جنوب لبنان سُمِع في مناطق بعيدة عن الموقع. والجميع يذكر يومها كيف تضاربت الأنباء عن سبب الانفجار، إذ قيل في الساعات الأولى أنّه ناجم عن انفجار محطة وقود، لتعلن وسائل إعلام مُقربة من حزب الله أنّ المستودع الذي انفجر يضمّ “ألغامًا أرضية من مخلفات الحرب”، إلا أنّ مشهد المبنى الذي مُحِيَ وأساساته عن الخارطة والطوق الأمني المُشدد الذي ضربه الحزب في موقع الإنفجار يؤكّد أنّ ما انفجر ليس “ذخائر قديمة”. بالإضافة إلى التحليق المُكثّف لطائرات الاستطلاع والطائرات الحربية الإسرائيلية في أجواء المنطقة على علو منخفض قبل يومٍ وقبل ساعات من وقوع الإنفجار والذي “لم يُسفر عن سقوط ضحايا”، بحسب الحزب.
في العودة إلى شهر آب 2019، وتحديدًا إلى فجر يوم 25 منه، انفجرت مسيّرة إسرائيلية أسقطها حزب الله واستحوذ على أخرى. إذ كانت كلا المسيرتين بمهمّة “انتحارية”. قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية يومها إنّ الهجوم كان هدفه “تفجير هدف له علاقة بالمنظومة الصاروخية الدقيقة لحزب الله”. ما استدعى ردًا من حزب الله الذي اعتبر أمينه العام أنّ عدم الرّد على هذا الهجوم الذي تزامن مع اغتيال عنصرين من الحزب في سوريا مرتبطين بملف الطائرات المسيّرة، يعني أنّ نتنياهو يُثبّت قواعد جديدة للاشتباك وهذا ما لن يقبل به الحزب.
في العام 2013، استهدف سلاح الجوّ الإسرائيلي ميناء اللاذقية الذي كان يضمّ صواريخ أرض – بحر دقيقة من طراز “ياخونت” روسية الصّنع خشية من وصولها إلى أيدي حزب الله. إلا أنّ هذه الغارة لم تحقق أهدافها إذ أشارت تقارير لاحقة إلى أنّ هذه الصواريخ باتت بالفعل في أيدي الحزب.
وكما المرفأ، دائمًا ما يشير نتانياهو إلى مطار رفيق الحريري الدّولي وبعض النقاط التي تتواجد في مناطق تحيط به وتحديدًا الشّويفات وبئر حسن. كما يعتبر الإسرائيليون أنّ المطار بات يعتبر بمثابة “خلية نحل” لحزب الله، حاله كحال المرفأ قبل الانفجار الذي وقع فيه. وتشير التقارير الإسرائيلية دائمًا إلى مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية على أنّها تضم مستودعات ومصانع للصواريخ الدقيقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحزب اتّخذ إجراءات أمنية مشددّة في نقاط مختلفة بالضاحية الجنوبية بعد ورود تقارير إليه عن احتمال أن تقوم تل أبيب باستهداف بعض المواقع التابعة له في المنطقة على إثر النشاط المُكثّف لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في أجواء المنطقة قبل أيّام. كما أطلق عناصر الحزب النّار على طائرات حلّقت على علوّ منخفض في أجواء الضاحية قبل أيّام قليلة.
وتشير أوضاع المنطقة والاجراءات التي اتخذها حزب الله في الضاحية وبعض مواقعه في البقاع إلى أنّ زعيم الليكود قد يقوم بأعمال أو ضربات أمنية ضدّ أهداف معيّنة يعتبرها جوهرية وحيوية في البنية الصّاروخية للحزب، وعليه من المحتمل أن يقوم بتوجيه ضربة لها قبيل مغادرة صديقه وصهره البيت الأبيض بعد أسابيع.
2- الطموح النووي الإيراني:
لا شكّ أنّ نتانياهو واللوبي الصهيوني وصهر الرئيس الأميركي ومستشاره جاريد كوشنير لعبوا دورًا مهمًا في إقناع ترامب أن يتّخذ قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض عقوبات أميركية عليها بشكل غير مسبوق. إذ يُشكّل الطموح النووي الإيراني هاجسًا لنتانياهو الذي خصّص له مؤتمرات صحافية وكلمات على المنابر الدّولية عرض خلال ما أسماه “عمل إيران لإنتاج قنابل نووية” تحت إسم مشروع “عماد” الذي كان يُشرف عليه العالم النووي محسن فخري زاده الذي تمّ اغتياله قبل أيّام في عملية قرب طهران سُرعان ما نُسِبَت مسؤوليتها إلى الموساد الإسرائيلي.
وفي الأيام القليلة الماضية لوحظ نشاطٌ لطائرات استطلاع وتجسس أميركية من نوع RC-135U قبالة السواحل الإيرانية في منطقة الخليج العربي، وكذلك تحليق قبالة السّواحل اللبنانية والسّورية ظهر يوم الجمعة.
3- التموضع الإيراني في سوريا
منذ اليوم الأوّل لدخول إيران وحزب الله وفصائل عراقية وأفغانية ويمنية الحرب الدائرة في سوريا، كان الموقف الإسرائيلي واضحًا بأنّه لا يسمح لإيران بإقامة قواعد دائمة في سوريا تتخذها منصّات انطلاق لشنّ هجمات على الدّاخل الإسرائيلي. وخلال الأعوام الماضية ضرب سلاح الجو الإسرائيلي أهدافًا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله في مناطق مختلفة من سوريا. ما يعني أنّ إسرائيل لا تعارض فقط التموضع الإيراني قرب حدودها ومسافة الـ80 كلم عن حدود الجولان، بل إنّ تل أبيب تعارض الوجود الإيراني على امتداد الجغرافيا السّورية بشكل تام، وهذا ما يُفسّر تنفيذها غارات جوية على مواقع بعيدة نسبيًا عن الحدود مع الجولان مثل البوكمال وحلب ودير الزور وريف تدمر.
وتشير معلومات خاصّة بـ”أساس” إلى أنّه في إطار التحركات الإسرائيلية، فإنّ الحرس الثوري الإيراني اتخذ أخيراً إجراءات مشددة في المناطق التالية:
– ريف دمشق الجنوبي (الكسوة ومحيط مطار دمشق).
– محافظة القنيطرة.
– قاعدة الإمام علي التي شيّدها الحرس الثوري في البوكمال على منتصف طريق بيروت – طهران (وهي أكبر القواعد الإيرانية في سوريا).
– مطار التيّاس العسكري المعروف بقاعدة الـT4 في بادية ريف حمص (210 كلم عن حدود الجولان)، حيث تسعى إيران لتحويلها إلى قاعدة جويّة للطائرات المسيّرة.
– مناطق القصير وريفها المتاخمة للحدود مع لبنان.
وتتهم تل أبيب طهران بالسعي لاستنساخ تجربة حزب الله في سوريا وتحويل المحافظات الجنوبية إلى قاعدة هجمات على القوات الإسرائيلية المتواجدة في الجولان. وتجدر الإشارة إلى العبوات الناسفة التي اكتشفها الجيش الاسرائيلي قبل 3 أسابيع قرب السّياج الحدودي التي قال إنّها إيرانية الصّنع، ما استدعى شنّ غارات إسرائيلية كردّ على العبوات.
ويقول مراقبون إنّ تل أبيب قد توجّه ضربة واسعة لمواقع لإيران والحزب في سوريا، إذ لا يمكن استبعاد هذه الفرضية على الإطلاق نظرًا للنشاط الاستطلاعي المكثّف والتحليق المستمر للطائرات الحربية الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، بالإضافة إلى المناورات المفاجئة التي شهدها الجولان قبل يومين تزامنًا مع نشر آليات عسكرية في خطوة غير مألوفة قرب الحدود.
التوجّه نحو حلّ الكنيست الإسرائيلي قد يدفع نتانياهو إلى كسب أوراق انتخابية سريعة عبر العمل على أولوياته الـ3 أو واحدة منها أو اثنين، إذ إنّه في حال ذهب بشكل نهائي نحو انتخابات تشريعية جديدة، فهذا يعني أنّه سيكون أمام مخاض عسير لمحاربة ما يشبه “حرب الإلغاء” الداخلية عليه، ولن يجد بابًا يطرقه لرفع أسهمه الدّاخلية أكثر مما يعتبره “أمن الإسرائيليين” المتعلّق بالأولويات الـ3…