كتبت مارلين خليفة في “ندصر دبلوماسي”: يستنفر “حزب الله” قواه العسكرية والامنية على جبهات عدّة مواكبة للفترة الانتقالية الحرجة التي تخوضها الولايات المتحدة الاميركية بين ولايتي الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن. وبلغت قمة هذا الاستنفار في تشرين الثاني نوفمبر الفائت حيث رفع جهوزية وحداته في مختلف مناطق انتشارها، ونقلت مصادره بين 25 و30 تشرين الثاني نوفمبر الماضي ان عددا هائلا من المقاتلين التحقوا بنقاط عملهم، وكثفت وحدات الرصد عملها، وتموضعت الوحدات الاستراتيجية عملاتيا. في تلك الفترة كان الجيش الاسرائيلي يقوم بمناورة دفاعية واسعة النطاق اسميت “السهم الفتّاك” اتخذت من الجبهة الشمالية عنوانا لها. وسعى حزب الله لإفهام الاسرائيليين انه في حال من الجهوزية التامة. في هذا السياق يبدو بأن ما روّج عبر بعض المواقع الاخبارية عشية اغتيال العالم الايراني النووي محسن فخري زاده بأن أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله نجا من محاولة اغتيال في اليوم ذاته، أي يوم الجمعة الفائت غير صحيح ” ولا يعدو كونه شائعة انبثقت من الاحتياطات الكثيفة التي يتخذها “حزب الله” منذ مدّة” كما أكدت لموقع “مصدر دبلوماسي” أوساط رفيعة وافية الاطلاع على مواقف “حزب الله”.
بالرغم من انتهاء المناورات الاسرائيلية، إلا أن الاستنفار لدى “حزب الله” لم يشهد تراجعا، فالغليان الاقليمي في أوجه وسط مؤشرات حول تعاون خليجي اسرائيلي غير مسبوق خلفيته تنسيق أمني لضرب محور المقاومة في المنطقة. رصد “حزب الله” اللقاء الذي تمّ أخيرا بين ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان بن عبد العزيز ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين في مدينة نيوم السعودية عند البحر الاحمر، والتي اعقبها اغتيال العالم الايراني محسن فخري زاده، وكذلك الزيارات الاميركية الاسرائيلية ولقائها القيادات في الامارات العربية المتحدة ما يشي بمرحلة شديدة الخطورة. بهدوء استراتيجي إذا صحّ التعبير يقارب “حزب الله” المعطيات السائدة حاليا، وتشير الاوساط المذكورة لموقعنا الى أنه بحسب المجريات القائمة، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعطى ضوءا اخضر لنتنياهو لم يكن متاحا له منذ 4 اعوام يتمثل بالسماح بقيام اسرائيل بعمليات امنية منها اغتيال فخري زاده الذي تحدث عنه نتنياهو في العام 2018 قائلا في مؤتمر صحافي “احفظوا هذا الاسم جيدا”.بالإضافة الى تقديم ترامب لـ”خدمات” لأصدقائه الاسرائيليين، فإن ادارته الراحلة تحاول فرض وقائع جديدة على الادارة الاميركية الديموقراطية القادمة عبر خطوات استباقية تدمر أي أمل باستعادة الاتفاق النووي الايراني الذي الغى ترامب مفاعليه في العام 2018.
بالعودة الى اجتماع نيوم الاميركي الاسرائيلي السعودي، فإن مهمته الاولى بحسب أوساط سياسية لبنانية متابعة هو انشاء تحالف سعودي اسرائيلي ضد ادارة بايدن القادمة، والهدف الثاني يكمن في استعادة زخم العمليات الامنية في داخل طهران وهي استؤنفت مع اغتيال فخري زاده فيما كانت العملية الاخيرة ضد الحرس الثوري الايراني منذ 4 اعوام. ويبدو بحسب التحليلات المتقاطعة بين اوساط سياسية لبنانية واسعة الاطلاع وأخرى مقربة من “حزب الله” بأن هذا النوع من الحوادث الامنية المزعزعة للاستقرار لدى محور الممانعة سيكون البديل من الحرب الشاملة بين ايران والولايات المتحدة الاميركية، وهذه المخططات الامنية ستكون متنقلة في دول محور الممانعة ولبنان بات يحسب من ضمنها.
استدعى هذا الضوء الاخضر الاميركي تكثيفا للتعاون بين “حزب الله” وسوريا وايران لضبط الاضرار، لذا يواكب “حزب الله” هذه المرحلة عبر “الحيطة والحذر” أولا، وعبر الاستعداد التام للمواجهة العسكرية الشاملة إذا فرضت عليه، علما بأن العارفين بمناخ “الحزب” يستبعدون ذلك سواء في لبنان او في المنطقة في حين يتوقعون ردا ايرانيا قويا على اغتيال فخري زاده ما سيبقي المنطقة ولبنان خاضعين لمزاج من عدم الاستقرار في الشهرين المقبلين.
ليست عملية الاغتيال التي وقعت قرب طهران واودت بالعالم فخري زاده تفصيلا في هذا السياق، وهي سترتب ردة فعل ايرانية بحتة تعيد عبرها ايران فرض قواعد اشتباك جديدة رادعة للاسرائيليين واستعادة “الهيبة”.
وتشير الاوساط الى أن الايراني متسلح بالصبر الاستراتيجي لأنه يدرك تماما بأن الهدف من وراء كل هذه الاستهدافات هو منعه من تطوير صوا ريخه وبرامجه العلمية، لذا غالبا ما يكون الرد الايراني عبر تطوير البرامج العلمية. وتعتبر الاوساط بأن ميزة الصبر الايراني تعود الى المساحة الشاسعة لبلده وجغرافيته المحاطة بدول خليجية ما يحتّم حسابات دقيقة بالرد. وبحسب التقديرات بأن الرد الايراني سيكون في عهد ترامب وليس بايدن هكذا يقول المنطق، وهم يدركون بأن ترامب ونتنياهو ومعهما السعوديين والاماراتيين يستقتلون لقطع الطريق على اي تقارب ايراني اميركي وشيك أقله على مستوى الاتفاق النووي. في السياق الاقليمي تصف الاوساط الرفيعة ذي المعرفة الوطيدة بمناخ “حزب الله” اتفاقيات ابراهام بين اسرائيل والامارات العربية المتحدة والبحرين بأنها “خيانية”، وتركز على الاتفاقيات مع الامارات العربية المتحدة مشيرة الى أن “مقاربة الامارات العربية المتحدة لهذه الاتفاقيات هي في غاية الخطورة، لأن التطبيع يحصل من اعلى الهرم الى القاعدة الشعبية خلافا لما حدث مع مصر حيث بقي التطبيع مجمدا عند رأس الحكم. فما يحدث ان التطبيع في الامارات يحدث على مستويات عدة سياسية واقتصادية ومالية وسياحية وثقافية، وهذا خطر في ظل نشاط الامارات العربية المتحدة عسكريا في اليمن وأمنيا في العراق وسوريا ولبنان”.
تضيف الاوساط المذكورة سببا اضافيا يكمن في ان “الجالية اللبنانية كبيرة في الامارات فضلا عن جاليات عربية واسلامية تعمل هناك ما يعني ان امكانية تجنيد المواطنين في هذه البلدان من قبل اسرائيل بالتواطؤ مع الامن الاماراتي كبيرة جدا. في مصر لا بيئة عمل مسهّلة كما للبنانيين، لكن في الامارات سنشهد موجة تجنيد كبرى في داخل الجاليات ومنها اللبنانيين. وفي هذا الوقت تضع الامارات قيودا لمنع سفر المواطنين وترحيل من يتأكد بأنه يصعب تجنيدهم لصالح اسرائيل”.
بالانتقال الى الضغوط المحلية على الساحة اللبنانية، تنفي الاوساط ذي الاطلاع الوافي على مناخ “حزب الله” أن يكون الحزب قد سمع اي كلام من رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري عن عدم رغبة أميركية أو اقليمية بمشاركته في الحكومة، وتعزو ما يردد في هذا السياق الى تسريبات صحافية “ولو كان هذا الشرط حقيقيا لما بقي سرا”.
تعيد الاوساط الانسداد الحكومي الى رغبة الحريري الى تسمية الوزراء المسيحيين، والى تقديمه وعودا لجميع الفرقاء السياسيين لم يتمكن من الايفاء بها، ويبدو لهذه الاوساط بأن الحريري ينتظر تشكيل الادارة الاميركية الجديدة ومعرفة الرياح الاميركية القادمة في حين أنه ليس من داع للربط بين تشكيل حكومة لبنان والاسباب الخارجية.
وبالتالي فإن عرقلة تشكيل الحكومة تعود لرغبة الحريري في انتظار التحولات الاقليمية والاميركية مركزا على تسمية الوزراء المسيحيين للاطاحة بأية وحدة معايير يطالب بها التيار الوطني الحر، ولا ضرورة للتأكيد هنا بأن “حزب الله” يقف الى جانب “التيار الحر” ورئيسه جبران باسيل. وما يمتّن هذا الانسداد ويشجع الحريري على الذهاب بعيدا في عناده يكمن في أن التكليف “صار في جيبه” بحسب تعبير الاوساط، وشعور الحريري بأن “التيار الوطني الحر” بات في موقع ضعيف لا سيما بعد العقوبات التي طاولت رئيسه عبر قانون “ماغنتسكي” وبأن المبادرة الفرنسية ستصب في نهاية المطاف الى جانب الحريري وفريقه لذا يمارس ضغطا للحصول على اكبر عدد من الحقائب الوزارية استعدادا للانتخابات النيابية القادمة.