“حتى إشعارٍ آخر”، أرجئت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبيْن اللبناني والإسرائيلي، قرارٌ لم ينزل برداً وسلاماً على اللبنانيّين، الذين رأوا فيه رسالةً “سلبيّة” من قبل الوسيط الأميركيّ، صاحب طلب التأجيل، والساعي إلى إنجاز “خرقٍ ما” من خلاله.
فصحيحٌ أنّ الوسيط الأميركيّ حاول “تلطيف” طلبه التأجيل، بالحديث إعلاميّاً عن “مسعى” لتقريب وجهات النظر، في ضوء “التباين الشاسع” الذي برز في الأيام الماضية، سيترجم في الساعات المقبلة من خلال جولاتٍ “مكوكية”، ومفاوضات منفصلة سيقوم بها، في إطار “التمهيد” للجولة المقبلة من المفاوضات.
إلا أن الصحيح أيضاً أنّ الجانب اللبناني قرأ في مثل هذه الأجواء، محاولة لفرض “أمر واقع” بعنوان “تقريب وجهات النظر”، تحت طائلة “تطيير” المفاوضات عن بكرة أبيها، بعدما حقّقت المُراد منها إسرائيليّاً، وسط مخاوف جدّية من وجود “نوايا ابتزاز” لدى البعض، خصوصاً أنّ لبنان يواجه ما يكفي من “مصائب وويلات”.
الهدف “تحقّق”
رغم أنّ لبنان تبلّغ رسمياً، الإثنين، بقرار تأجيل المفاوضات، إلا أنّ “الهمز والغمز” حوله بدأ منذ انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات، التي بدت “مخيّبة” للجانبين الأميركي والإسرائيلي، في ظلّ ما وُصِف بـ “رفع السقف” الذي اعتمده الجانب اللبنانيّ، والذي اتُهِم بـ “الانقلاب” على اتفاقاتٍ سابقة.
ولعلّ السجالات العلنّية والافتراضية التي تبعت الجولة الأخيرة، والتي دخلت الرئاسة اللبنانية على خطّها، في ظلّ الدعوة “المريبة” التي وجّهها وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس للرئيس اللبناني ميشال عون لمفاوضات “مباشرة”، أو “وجهاً لوجه”، تكفي للدلالة على “الحائط المسدود” الذي اصطدمت به المفاوضات، التي يقول البعض إنّ الهدف الإسرائيلي منها تحقّق، وبالتالي فإنّ الإبقاء عليها لم يعد ذي جدوى، إذا لم يكن سيؤمّن المصلحة الإسرائيليّة.
ويقول العارفون في هذا الإطار، إنّ إسرائيل أرادت عبر هذه المفاوضات، التي تزامنت عن سابق تصوّر وتصميم، مع “قطار التطبيع” الذي شمل أكثر من دولةٍ عربيّة، انتزاع “اعتراف” من لبنان، وقد حصلت على أكثر منه، بدليل “التوتر الداخلي” الذي تسبّبت به، ولو من حيث الشكل، على خلفيّة تركيبة الوفد، إضافة إلى “الضجّة” التي راجت حول “طبيعة” المفاوضات والمأمول منها، وصولاً إلى حدّ تصويرها كجزءٍ من السياق “التطبيعي” نفسه.
موقف “ثابت”؟!
يرى البعض أنّ لبنان “أخطأ” بإدارة المفاوضات حين اختار “استراتيجيّة” الكشف عن كلّ أوراقه دفعةً واحدةً، ما جعل إسرائيل التي اعتادت على أن تأخذ، لا أن تعطي، أن تُدرِك سلفاً أنّها لن تحقّق أيّ نتائج “عمليّة” من المفاوضات، فيما يغمز البعض الآخر من باب الأزمات اللبنانية المتفاقمة ليتحدّث عن “رهانٍ” لدى الأميركيين والإسرائيليّين على حدّ سواء، على “تليين” موقفه بالحدّ الأدنى.
ورغم دلالات التأجيل الملتبس، من حيث المضمون والمدة المفتوحة، فإنّ المعنيّين في الجانب اللبناني يتمسّكون، حتى إشعارٍ آخر، بالموقف “الثابت” الذي لن تغيّره “قيد أنملة” أيّ محادثاتٍ “منفصلة” أو مرتبطة” يقوم بها الأميركيّون أو غيرهم، باعتبار أنّه منبثق من “ثوابت” تمّ الاتفاق عليها مسبقاً، ومن “حقوقٍ” لا يفترض أن يتنكّر لها اثنان، فضلاً عن كونها تحظى بـ “إجماع” المكوّنات اللبنانية، والذي سبق أن عبّرت عنه الرئاسة اللبنانية في مواقفها المُعلَنة خير تعبير، من دون أن يصدر أيّ تعليق أو اعتراض أو حتى تحفّظ.
إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود “هواجس” من أن يكون التأجيل مقدّمة لضغوطٍ إضافيّة تُمارَس على لبنان، وصولاً حتى “ابتزازه”، من خلال “استغلال” الأزمات المتفاقمة التي يشهدها على كلّ المستويات، ولا سيّما مالياً واجتماعياً، علماً أنّ هناك من يروّج منذ اليوم الأول للإعلان عن المفاوضات، إلى أنّها ليست سوى بندٍ من “سلّةٍ متكاملة” على لبنان تلبية شروطها، إذا كان يرغب فعلاً بمساعدات المجتمع الدوليّ الموعودة، لإنقاذه وعدم جرّه إلى الكارثة، التي باتت بحكم “الأمر الواقع”.
ثمّة في لبنان من ينظر بعين “القلق والريبة” إلى “الوساطة الأميركية” الجارية على خطّ ترسيم الحدود، انطلاقاً من أنّ الولايات المتحدة، الممتعضة أساساً من نهج السلطة الحاكمة في لبنان، تبحث بالدرجة الأولى عن “مصلحة” إسرائيل، كما يدرك القاصي والداني، ولعلّ “بيت قصيد” التأجيل يكمن هنا تحديداً، بانتظار ما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات ومؤشرات…
المصدر:لبنان 24