أظهرت وثائق مسربة صلات بين أكاديمي يعمل في لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة بشأن السودان، والروسي الخاضع للعقوبات الأمريكية يفغيني بريغوجين، والذي يُعرف بـ “طباخ بوتين”.
ويرأس بريغوجين مجموعة “فاغنر”، التي أرسلت مرتزقة إلى دول من بينها السودان وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهو أيضاً مؤسس وكالة أبحاث الإنترنت الروسية سيئة السمعة “troll farm”.
وفي أيلول 2019، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على بريغوجين، بالإضافة إلى عدد من الأفراد والكيانات المرتبطة به، وتقول واشنطن إنهم جزء من “شبكة دولية” تنشر “التأثير الخبيث” في جميع أنحاء العالم.
وفي تموز وأيلول من هذا العام، استهدفت وزارة الخزانة شركتي تعدين أفريقيتين تابعين لبريغوجين، وهما “M-Invest” و “Lobaye Invest”، وفق ما ذكرت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية.
وتُظهر السجلات المسربة أنه في العام 2017، دفعت “M-Invest” تكلفة رحلة قام بها نيكولاي دوبرونرافين، الأستاذ الروسي والمتخصص في شؤون أفريقيا في جامعة ولاية سانت بطرسبرغ، إلى بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى.
وفي أيار 2018، وافق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على دوبرونرافين كممثل لروسيا في لجنة خبراء الأمم المتحدة، المكونة من أربعة أشخاص، بشأن السودان.
وكان دوبرونرافين سافر إلى بانغي في العام 2017 مع 3 موظفين تابعين لبريغوجين، بما في ذلك مؤسس لوباي إنفست، ديمتري سيتي. ووفقاً للائحة الاتهام الأمريكية الصادرة في أيلول، فقد عمل سيتي في وكالة أبحاث الإنترنت، التابعة لبريغوجين، في سانت بطرسبرغ. وتقول واشنطن إن مؤسسة لوباي جزء من عملية يدعمها الكرملين لاستغلال الموارد الأفريقية.
وأشارت “ذا غارديان” إلى أنّ روسيا تمارس ضغوطاً لإسقاط عقوبات الأمم المتحدة عن مجموعة من البلدان، بما في ذلك حليفها السودان.
وتضغط روسيا من أجل رفع حظر الأسلحة عن منطقة دارفور التي مزقتها الحرب، بحجة أن الوضع أصبح طبيعيا الآن، الأمر الذي تعارضه المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا.
وتتمتع لجنة خبراء الأمم المتحدة التي يشارك فيها دوبرونرافين بصلاحيات استشارية واسعة، تشمل تقديم معلومات وتحليلات حول حظر الأسلحة في دارفور، فضلا عن حظر السفر وتجميد الأصول.
ويقول محللون إن الخبراء هذه اللجنة يمكنهم التأثير على الأمم المتحدة لرفع العقوبات، وفتح دارفور أمام الشركات الراغبة في الاستثمار في اليورانيوم وغيره من أشكال التعدين. وفي حالة رفع العقوبات، ستستفيد شركات بريغوجين، وكذلك الجيش السوداني، الحليف الرئيس لموسكو في الخرطوم، ومجموعات الميليشيات التي تتاجر بالذهب عبر الحدود الليبية.
ولم تكن الأمم المتحدة على علم بعلاقة دوبرونرافين ببريغوجين، وقالت إن جميع المرشحين لعضوية لجان الخبراء خضعوا “لعملية مراجعة وفحوصات مرجعية”، بحسب “ذا غارديان”.
وفي إحدى المحادثات المسرّبة، وصف رئيس عمليات بريغوجين في السودان، ميخائيل بوتبكين، دوبرونرافين بأنه “أستاذنا في الأمم المتحدة”.
وأقر دوبرونرافين بأنه قام “باستشارة قصيرة” في جمهورية أفريقيا الوسطى، لكنه قال إن الدعوة كانت “شخصية” وأنه اكتشف علاقة “M-Invest” بذلك لاحقاً.
ومع هذا، فقد نفى أن يكون لهذه الزيارة تأثير على دوره الحالي في الأمم المتحدة، قائلاً إن الشركة لم تكن خاضعة لعقوبات في ذلك الوقت. وتابع: “لم أعمل لدى بريغوجين شخصياً. لا أرى في هذا عائقاً أمام عملي في الأمم المتحدة”.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أنه بعد بضعة أشهر من رحلة عام 2017، حاولت وزارة الخارجية الروسية ضم دوبرونرافين إلى لجنة خبراء الأمم المتحدة المسؤولة عن جمهورية أفريقيا الوسطى، لكن المحاولة لم تنجح. وبعد ذلك، قام دبلوماسي روسي رفيع المستوى بتدريب دوبرونرافين وساعده في تقديم طلب الانضمام للجنة خبراء الأمم المتحدة الخاصة بالسودان.
وقال دوبرونرافين إن رفاقه في رحلة بانغي 2017 “لم يقدموا أنفسهم بالتفصيل” أو يكشفوا عن ألقابهم. غير أنّ الملفات المسربة تشير إلى أنه ظل على اتصال بسيتي بعد ذلك، وكذلك بأفراد آخرين مرتبطين ببريغوجين في سانت بطرسبرغ.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أرسل بريغوجين فرقاً من المستشارين إلى عدة دول أفريقية. وفي العام 2018، وضع سياسيون روس برنامجاً للإصلاح السياسي والاقتصادي يهدف إلى دعم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في مواجهة الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وفي نيسان 2019، أطاح الجيش السوداني بالبشير. وفيما أصبحت الدولة الغنية بالنفط تدار الآن من قبل مجلس انتقالي مكون من عسكريين وحكومة مدنية، تتمسك موسكو بالحفاظ على نفوذها.
وفي 11 تشرين الثاني الماضي، وافقت موسكو على صفقة مع الحكومة السودانية الجديدة لبناء قاعدة بحرية لاستضافة السفن الحربية الروسية، وفق “ذا غارديان”.
وقال دوبرونرافين إنه لم يكتب أبداً أي شيء للأمم المتحدة يؤيد بريغوجين، وأضاف: “سوف ترى اللجنة على الفور أي تحيز”.
وذكر أنه وزملاؤه الخبراء يقدمون تقارير سنوية بالإضافة إلى وثائق سرية، مشيراً إلى أنه يؤيد “تأطير وتحديث” نظام عقوبات دارفور، وقال: “أنا فخور بعملي في الأمم المتحدة”.
وينفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتباط بريغوجين بالحكومة الروسية. وخلال قمة 2018 مع نظيره دونالد ترامب في هلسنكي، شبه بوتين بريغوزين بجورج سوروس، الملياردير الأمريكي.
وتشير الوثائق إلى أن أنشطة الظل لبريغوجين يتم تنسيقها بشكل وثيق مع المسؤولين الروس. وقال الباحث في شؤون السودان جان بابتيست غالوبين: “روسيا لا تريد السودان الديمقراطي. تنشط للغاية في توسيع وجودها في السودان في مجال التنقيب عن الذهب والتعاون الدفاعي”.
وبحسب “ذا غارديان”، فقد قال دوبرونرافين إنه تلقى مساعدة من وزارة الخارجية في موسكو بشأن انضمامه للأمم المتحدة، مشيراً إلى أنه “لولاها لما حصل على المنصب”، وقال: “لن أخفي أي شيء أبداً”.
ومع هذا، فقد أكّد دوبرونرافين إنه لم يلتق بريغوجين “رسميًا” لكنه رفض الإفصاح عما إذا كان هناك “اتصال غير رسمي”.
وفي العام 2018، قال بريغوجين بعد أن اتهمته الولايات المتحدة بشن “حرب إعلامية”: “إذا كانوا يريدون رؤية الشيطان، فليروه”، نافياً تورطه في وكالة أبحاث الإنترنت سيئة السمعة، فيما قال إن مجموعة فاغنر غير موجودة.
المصدر: لبنان 24