لا تزال مسألة الاحتياطي الالزامي في الواجهة، فيما يرتفع منسوب الاعتراضات الشعبية والسياسية على أي خطوة تؤدي الى سرقة ودائع الناس، وتقضي على أي أمل بالوقوف في المستقبل. وعلى رغم نَفي خبر وجود نية لخفض نسبة الاحتياطي الالزامي، إلّا أنّ المخاوف قائمة لأنّ كل الأمور يمكن تصديقها في ظل وجود هذه المنظومة السياسية الفاسدة.
ليس غريباً على الطبقة الحاكمة، التي نهبت وسرقت المال العام واموال المودعين، أن تضحّي بآخر ممتلكات الشعب اللبناني حفاظاً على مصالحها. فمَن أوصَل بلاده الى أدنى المراتب عالمياً من ناحية المؤشرات المالية والاقتصادية، ما زال يساوم ويعرقل ويعطّل انطلاقة أيّ حلّ ممكن لمعالجة الأزمة، إن عبر تشكيل حكومة او استئناف الاصلاحات او التوافق مع صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على دعم مالي خارجي. ومن الواضح انّ هذه المنظومة السياسية لا تأبه اليوم بحالة الفقر والعوز التي يعانيها المواطنون، بل شغلها الشاغل يبقى في حماية مصالحها السياسية والشخصية من دون الالتفات الى مصلحة الوطن ومستقبل أجياله.
بعد أن هُدرت أموال المودعين وسُرقت مدّخراتهم وحُرموا منها، لم يجرأ أحد من المعنيّين على الصعيد الحكومي او المصرفي على مصارحة مَن أمَّنَهم وليس وَهبهم أمواله، كي يفعلوا بها ما شاءوا، بأنهم من أجل ضمان استمرارية الدولة وكبار رؤوسها، سيقومون بتبذير السيولة الاحتياطية التي وضعتها المصارف في مصرف لبنان من أجل مواصلة الدعم ومحاولة امتصاص الغضب الشعبي للمواطن اللبناني من جيبه الخاص وممّا تبقّى من ودائعه المحتجزة.
ثثقد تكون سياسة شراء الوقت قد خدمت في السابق السلطة الحاكمة التي اعتادت على «الترقيع» من أجل ضمان استمراريتها، إلّا انّ شراء الوقت اليوم من خلال استغلال آخر فِلس من الاحتياطي الالزامي وبعده على الأرجح احتياطي الذهب، هو إجراء خطير سيُفاقِم حجم الأزمة المالية، ويُعمّق الفجوة المالية، ويقضي على القطاع المصرفي وعلى أي فرَص لنهوضه أو إعادة رَسملته إيذاناً بإعادة أموال المودعين، ولو بعد سنوات عدّة.
ورغم انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نفى أمس خبر وكالة ««رويترز» المتداول، «والذي زعم انّ البنك المركزي يدرس خفض مستوى احتياطي النقد الأجنبي الإلزامي من أجل مواصلة دعم واردات أساسية العام المقبل»، إلّا انّ مصادر عدة مطّلعة تؤكد انّ مصرف لبنان لا يحتاج الى خفض نسبة الاحتياطي لكي ينفق تلك الاموال، فهو سبقَ أن بدأ باستخدامها.
وفيما أكد سلامة انّ «هذا الخبر لا أساس له من الصحة»، أشار الى انّ «أي تخفيض لنِسَب الاحتياطي الإلزامي، لو حصل، سيعود الى أصحاب الودائع في مصرف لبنان وهم اصحاب المصارف، وليس لأيّ غرض آخر». لكن المعلوم انّ حجم الاحتياطي الالزامي قد تراجع بالحدّ الادنى بحوالى مليار دولار مع تراجع حجم الودائع في القطاع المصرفي. فلماذا لم تستعد المصارف تلك الاموال؟ وفي حال استعادتها، لماذا لم تستخدمها لتلبية حاجات المودعين، علماً انّ الهدف الرئيس لإيداع سيولة احتياطية لدى البنك المركزي هو تمكين المصارف على مواجهة أي ضغوطات قد تحصل على السحوبات النقدية.
في هذا الاطار أسئلة عديدة تطرح نفسها: ما هو موقف المصارف من إمكانية استخدام احتياطها الالزامي لمواصلة دعم الاستيراد وليس لدعمها مالياً؟ وهل انّ المصارف غير آبهة في خفض نسبة الاحتياطي الالزامي لأنها على دراية بأنها لن تستعيد سيولتها الاحتياطية غير المتوفرة أصلاً؟ وهل من قانون يحرّم المسّ بالاحتياطي الالزامي على غرار احتياطي الذهب؟
وقد أكد رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي بول مرقص انّ تكوين احتياطي إلزامي للمصارف لدى مصرف لبنان صادر بموجب تعاميم لمصرف لبنان تستند بدورها الى قانون النقد والتسليف، وهي قابلة للطعن بها في مهلة شهرين. أمّا اذا انقضَت تلك المهلة فليس من الممكن الطعن بها، وتصبح مُبرمة.
وأوضح لـ«الجمهورية» انّ لمصرف لبنان سلطة تنظيمية واسعة في خفض نسبة الاحتياطي الالزامي، «واذا خُفضت هذه النسبة يجب إعادة الرصيد الى المصارف التجارية التي تستطيع تقديم مراجعة إبطال للتعميم ضمن مهلة الشهرين».
لكنّ مرقص اعتبر انّ المصارف لن تقدم على الطعن لأسباب تتعلق أوّلاً بعدم رغبتها في تأزيم العلاقة مع الحاكم، وثانياً نظراً للصلاحيات التنظيمية الواسعة لمصرف لبنان التي يصعب تجاوزها، وثالثاً لإمكانية المصرف المركزي التذرُّع بالمصلحة العامة التي تبرّر احتفاظه بالفارق”.
المصدر : الجمهورية