غريب أمر المسؤولين في لبنان. يعرفون أن الإنهيار آتٍ لا محال، ومع ذلك لا يزالون يكابرون ويعاندون ويغضّون الطرف عمّا تفعله أيديهم، مع أن الحل بسيط، ولا يحتاج إلى هيئة أمم لكي تُعرف العنزة من أم قرون. الحل يكون بالتوافق على “حكومة مهمة” لمدة محدّدة ولغاية محدّدة أيضًا، ولا يكون فيها للأحزاب أي علاقة لا من بعيد ولا من قريب، خصوصًا أن السياسة التي كانت متبعة منذ عشرات السنين، وكانت الأحزاب وراءها، لم تجلب على البلد سوى الخراب والإنهيار والفشل، وهذا ما يدفع بالفرنسيين إلى التشديد على ألا تضم الحكومة العتيدة سوى وزراء أخصائيين ومستقلين بكل ما لهذه الكلمة من معنىً، وهذا ما لا يريده السياسيون، الذين يعرقلون ولادة مثل هكذا حكومة.
أن يدعو وليد جنبلاط إلى تفعيل عمل حكومة تصريف الإعمال فهذا يعني بكل بساطة أن أفق التوافق على “حكومة إنقاذ” يبدو مسدودًا، وأن لا شيء يوحي بقرب الإفراج عن هكذا حكومة لا يكون فيها حصّة لأحد من المسؤولين أو أهل السلطة، وهو أمر متعذر حصوله قياسًا إلى ما يسرّب من معلومات، ولو شحيحة، عن مسار التأليف المتعثّر لأسباب تبدو تافهة إذا ما قورنت بفداحة الأزمات التي يعيشها اللبنانيون، وهم باتوا في حاجة إلى حكومة تحقق الإصلاحات المطلوبة دوليًا، وبالتحديد فرنسيًا، تمهيدًا لتحريك المساعدات المرصودة للبنان بشرط قيامه بهذه الإصلاحات اليوم قبل الغد.
فلو أتيح لهكذا حكومة أن تبصر النور، ولو إستطاعت أن تحقق ما عجز عن تحقيقه أهل السلطة، فإن ذلك سيعتبر بمثابة إدانة لهم، ويكون الفساد المستشري في البلاد، طولًا وعرضًا، هو من صنع أيديهم، وليس من صنع الأشباح، ولذلك نراهم يحاربون قيام حكومة إنقاذية لا همّ لها سوى إنتشال البلاد من الهاوية، التي أنزلت إليها جبرًا، بفعل سياسات متهورة وبفعل تشابك المصالح بين من يُفترض أن يكون الإنقاذ على ايديهم، وهم الذين أتوا إلى الحكم تحت هذا الشعار.
أكثر من عشرة لقاءات جمعت رئيس الجمهورية بالرئيس المكّلف، منها ما هو علني ومنها ما هو سرّي – لم نفهم حتى اليوم لماذا تكون هذه اللقاءات سرية – ولم يستطع الرجلان الإتفاق على قواسم مشتركة لعملية التأليف، وهما يتصرّفان وكأن البلد في ألف خير، وأن لا حاجة لأن يسرّعا الخطى ويتفقا على تأليف حكومة من غير السياسيين، وأن يتنازلا عن مصالحهما الخاصة ومصالح الحاشية.
إعذرونا إن لم نكن نعي حتى اليوم ما هي الحكمة من التأجيل والتسويف، وإعذرونا أكثرعلى جرأتنا بأن نقول لكما ولكل من يقف إلى جانبكما بأنكما فشلتما في تجربة الإنقاذ، وأنه قد آن الآوان لكي تتغيرا ولكي تعترفا بفشلكما بالمهمة الموكلة إليكما في الوقت الذي نشهد فيه إقتراب المجاعة، التي باتت تهدّد أكثر من نصف الشعب اللبناني الصابر والعاضض على جراحه.
بالأمس لام البطريرك الراعي السياسيين، “لانهم بدل بناء الدولة يعملون على هدمها وهذا لن نقبله… نحن لا نستثني أحدا، كلهم مسؤولون عنه لم يبد احد الاستعداد للتضحية بمصالحه، في وقت طار كل البلد. نهبتهم الدولة وأمنتم اموالكم لا تدركون ما هو الجوع والبطالة لانكم لا تعملون، تقبضون من دون عمل”.
وفي موقف معبّر قال الرئيس نبيه بري، كما نُقل عنه، “إننا قد لا نصمد حتى يتسلم جو بايدن الرئاسة في أميركا”، في إشارة منه إلى ربط البعض تشكيل الحكومة بالوضع الخارجي وبالأخص الوضع الأميركي ومدى تأثيراته على المنطقة.
فهل من يعي؟
المصدر: لبنان 24