تحرص المؤسسات الأمنية الأمريكية على البدء بإجراءات نقل السلطة مبكرا بين إدارة منتهية الولاية وأخرى قادمة خلال الفترة الفاصلة بين الانتخابات وتسلم الرئيس الجديد رسميا، والممتدة لنحو شهرين ونصف.
وينبع ذلك من مخاوف من بدء الإدارة الجديدة أعمالها دون اطلاع على المشهد الاستخباراتي، ما يضع البلاد أمام أخطار متفاقمة.
لكن المرحلة الانتقالية بين إدارة دونالد ترامب الحالية وإدارة يفترض أن يتولاها جو بايدن تشكل مصدر قلق إضافيا.
إذ إن ترامب يواصل عدم الاعتراف بفوز غريمه الديمقراطي، بل إنه يزعم الفوز في الانتخابات وأن العملية شابتها أعمال تزوير، دون تقديم دليل ملموس، ويرفض إطلاع بايدن على المعلومات والتقارير المتوفرة لديه.
والأخطر من ذلك، بحسب تقرير لشبكة “بي بي سي”، هو عزم الرئيس الجمهوري على الإطاحة بقادة المؤسسات الاستخباراتية، ما سيضعها في حالة فوضى داخلية، فضلا عن الفوضى السياسية.
ويعتقد الكثيرون أن إقالة مجموعة من كبار القادة المدنيين في البنتاغون، وبضمنهم وزير الدفاع مارك إسبر، ليست إلا البداية، بحسب التقرير.
ولا يتعلق الأمر بالنزاع حول قضية تسريع الانسحاب العسكري من أفغانستان وحسب، إذ تدور مخاوف من أن تكون هنالك دوافع “انتقامية” بالنظر إلى العلاقة المتوترة منذ البداية بين ترامب والمجتمع الأمني والاستخباري.
وتدور أحاديث عن أن مديرة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل، باتت حاليا على خط النار.
ورغم ما أظهرته هاسبل منذ تعيينها من حرص على اتخاذ موقف متوازن، بيد أن منتقديها يقولون إنها كانت مقربة جدا من البيت الأبيض، مستشهدين بسلوكها الظاهر، عندما بدت مصفقة للرئيس في خطابه عن حالة الاتحاد.
لكن مؤيديها يقولون إنها لعبت بحذر بما يكفي في محاولتها البقاء إلى جانب الرئيس لكي تحمي الوكالة من التسييس، وكانت تخشى من أنه إذا فُصلت هي الأخرى، فسيتم اختيار شخصية أكثر حزبية لتحل محلها.
وقد أثار عدم استعدادها الواضح لرفع السرية عن بعض المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالتدخل الروسي في انتخابات 2016 مؤخرا انتقادات من مؤيدي الرئيس.
وربما يكون الفصل الأكثر إثارة للجدل هو إقالة كريس راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، بحسب “بي بي سي”.
ويُعتقد أن الرئيس ترامب غاضب في فشل السلطات الفيدرالية من إنفاذ القانون في التحقيق مع هانتر نجل جو بايدن، حول علاقاته التجارية الخارجية، وأراد نوعا من العودة إلى عام 2016، عندما تسببت التصريحات العلنية لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك جيمس كومي حول رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية، في إلحاق الضرر بها قرب نهاية الحملة الانتخابية.
وعلى العكس من رؤساء وكالة المخابرات المركزية الذين عادة، وليس دائما، ما يتم استخلافهم برئيس جديد؛ يعين مديرو مكتب التحقيقات الفيدرالي لمدة 10 سنوات.
وقد تردد أيضا أن رئيس وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية (Cisa)، كريس كريبس، الذي يحظى بتقدير كبير، يواجه مشكلة لأن موقعاً إلكترونياً تديره الوكالة يسمى “التحكم في الشائعات” أوضح أن مزاعم التزوير والاحتيال في التصويت، بما في ذلك تلك التي قدمها الرئيس وأنصاره، مزاعم خاطئة.
وتثار مخاوف بشأن التعيينات الجديدة وبشأن من سيغادرون مناصبهم أيضا.
وقد منح نشطاء سياسيون مناصب رفيعة في البنتاغون. وعين أحدهم وهو مايكل إليس، مستشارا عاما لوكالة الأمن القومي (NSA) رغم عدم موافقة رئيس الوكالة الجنرال بول ناكاسوني.
وأثار ذلك مخاوف من أن فريق ترامب ربما يحاول “زرع” أشخاص من مؤيديه في نظام الأمن القومي، ليتمكنوا من الاستمرار في لعب دور بعد 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، عندما يتم تنصيب جو بايدن كرئيس للبلاد رسميا.
وثمة خيار آخر هو أنه لمجرد رغبة الرئيس في مكافأة الموالين والسماح لهم “بإغناء سيرهم الذاتية” مع توقعات بأنهم قريبا سينفذون سياسات أكثر إثارة للجدل أثناء وجودهم في تلك المناصب.
وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد قد يكون قادرا على استبدال العديد من هؤلاء الأفراد واختيار فريقه الخاص، إلا أنه لا تزال هناك مخاوف بشأن تداعيات التعيينات الأخيرة.
وهناك خطر في أن تسعى الدول الأخرى أيضا إلى الاستفادة من فترة عدم اليقين هذه، بحسب التقرير، الذي أشار إلى أن لجنة التحقيق في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر خلصت إلى أن الفترة القصيرة لعملية تسليم السلطة من الرئيس بيل كلينتون إلى الرئيس جورج دبليو بوش، التي حدثت جراء الخلاف على نتائج انتخابات عام 2000 المتنازع عليها، ربما أسهمت في الفشل في وقف الهجمات المدمرة على نيويورك وواشنطن، بتصعيب الحصول على فريق جديد مستقر في كل مواقعه وآليات عمله ومطلع على آخر المستجدات في الوقت المناسب.
المصدر : العربي٢١