تحت عنوان “روسيا تريد مقايضة اللاجئين السوريين بالمال”، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقالاً تحليلياً عن مؤتمر النازحين في دمشق، اعتبرت فيه الكاتبة أنشال فوهرا أنّ موسكو ساعدت دمشق على تنظيم المؤتمر الدولي من أجل إطلاق عجلة إعادة الإعمار، لكنها “فشلت فشلاً ذريعاً”، إذ أنّ “أحداً لم يحضر”.
وانطلقت فوهرا في قراءتها للمؤتمر- شارك فيه لبنان ممثلاً بوزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفية ووزير الخارجية شربل وهبة عن بعد- من أهداف روسيا في سوريا. واعتبرت فوهرا أنّ موسكو سعت إلى الحفاظ على قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط لحراسة مصالحها الإقليمية، وإلى تولي شركاتها مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب، وذلك كمكافأة على دعم الرئيس السوري بشار الأسد. وعلّقت الكاتبة: “حققت موسكو هدفها الأول، إلاّ أنّ الثاني يثبت أنّه أكثر صعوبة بكثير”.
وقالت فوهرا: “حاولت روسيا الأسبوع الفائت تحقيق رؤيتها لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا عبر المساعدة على تنظيم مؤتمر عودة النازحين الأول في دمشق، إلا أنّها فشلت فشلاً ذريعاً”.
فوهرا التي تحدّثت عن مشاركة 20 بلداً بينها الصين والهند والإمارات، علّقت بالقول: “لكن سرعان ما اتضح أنّهم لم يحضروا إلا لرغبتهم في الاستفادة من طفرة عملية إعادة الإعمار قي سوريا، وليس دفع ثمنها، أو لمجرد إظهار الدعم السياسي للأسد”.
في ما يتعلق بلبنان، اعتبرته فوهرا “استثناء”، قائلةً “على عكس لبنان، لم يبدِ أي من البلدان المضيفة لعدد كبير من اللاجئين استعداداً للقبول بشروط روسيا للحوار”.
فوهرا التي لفتت إلى أنّ الاتحاد الأوروبي رفض المشاركة وإلى أنّ الأمم المتحدة حضرت بصفة “مراقبة”، أكّدت أنّ المشاركة الخجولة في المؤتمر أغضبت الروس.
وفي هذا السياق، نقلت عن المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إجابته لدى سؤاله عن سبب كون الحضور “أقل من المتوقع”، بالقول: “ضغوط، إنّها ضغوط”، من الولايات المتحدة الأميركية.
وكشفت فوهرا أنّ لافرنتييف حاول قبل أيام من المؤتمر التقرّب من الأردن (تستضيف 650 ألف نازح سوري) من أجل إعادة النظر بقرارها عدم المشاركة، إلاّ أنّ جهوده باءت بالفشل. وعلى الرغم من “حاجة عمان الماسة إلى دعم موسكو من أجل إبقاء المجموعات الإيرانية المسلحة في جنوب سوريا بعيدة عن حدودها”، إلاّ أنّ الأردن متحالف مع الغرب ولا يمكن أن يُنظر إليه كما لو أنّه يجبر اللاجئين على مغادرة أراضيه، بحسب ما كتبت فوهرا. وتابعت الكاتبة: “تتفهم روسيا مأزق الأردن وبعثت لافرنتييف إلى هناك في 27 تشرين الأول لتبديد مخاوفه”.
على مستوى لبنان، قالت فوهرا إنّ الطبقة الحاكمة صمّت آذانها لمخاوف السوريين بشأن التوقيفات العشوائية والتجنيد الإجباري، مضيفةً: “لطالما اعتبر (لبنان) أنّ مساعدات الأمم المتحدة للاجئين السوريين تبطئ عملية عودتهم”؛ إشارة إلى أنّ لبنان يستضيف 1.5 مليون نازح سوري، عاد 65 ألف منهم فقط إلى ديارهم. وذكّرت فوهرا بتصريحات سابقة للرئيس ميشال عون قال فيها إنّ النازحين كلفوا لبنان 40 مليار دولار، كما اقترح مساعدتهم داخل سوريا، لقدرة هذه الخطوة على “تشجيعهم على العودة”. وتابعت فوهرا: “مثل روسيا، يتوقع لبنان الاستفادة من إعادة إعمار سوريا الوشيكة”، مشيرةً إلى أنّه “كان يسوّق” مرفأ طرابلس.
من جانبها، كشفت الصحافية الروسية ماريانا بيلينكايا التي غطّت المؤتمر أنّ لافرينتييف توجه إلى تركيا بعد انتهاء المؤتمر، قائلةً: “طلبت روسيا من دمشق دعوة تركيا. إلاّ أنّ موسكو تفهّمت عجزها عن ذلك”. وأضاف: “سافر لافرينتييف إلى تركيا ليتأكد من أنّهم (الأتراك) لم يشعروا بالإهانة ومناقشة عودة اللاجئين”.
بالعودة إلى فوهرا، فقد كتبت: “في سوريا، يعجز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحصول على أي تنازل من الأسد من شأنه إقناع الغرب بدعم مؤتمر دولي من أجل عودة اللاجئين”، مثل التجنيد الإجباري وإطلاق سراح السجناء، مؤكدةً أنّ الأزمة الاقتصادية في سوريا تمثّل سبباً هاماً إضافياً لعدم رغبة السوريين في العودة.
وبناء على هذه المعلومات، كتبت فوهرا تقول: “أوضحت معظم الدول أنّها لا تريد إضفاء شرعية على محاولة روسيا استغلال أزمة النازحين لتحقيق مكاسب ديبلوماسية واقتصادية خاصة بها”، مستدركةً: “لكن هذا لا يعني أنّه ليست لديها أي أفكار معقولة للحد من معاناة السوريين داخل البلاد أو أولئك المنتشرين في أماكن أخرى”.