حسناً قرّر دونالد ترامب في الشهرين الاخيرين من عمر ولايته الرئاسية الخروج من البيت الأبيض على مشكل. يبدو الاضطراب يحكم ذهنية الرجل. أدرك، أو يكاد، أنه خسر وإنتهى الأمر، لذلك قرّر اتباع منهاج التهريب، ثم يرحل!
لم يسبق أن حدث شيء من هذا القبيل في تاريخ السياسية الاميركية، رئيس رسب في الانتخابات فيقرّر تفخيخ الادارة! هكذا يُعمم ترامب منطق التخريب على أكثر من ملف ولبنان على جدول الأعمال. يحدث الآن أن الرئيس المنتهية ولايته وبمعية وزير خارجيته مايك بومبيو يعيدان تدشين منطق العقوبات على لبنان عبر شرعنته من خلال بوابة شبه أسبوعية.
لم تكتفِ الادارة الاميركية بأسماء ثلاث وزراء سابقين محسوبين على فريق 8 آذار أسقطت عليهم عقوبات موزعة بين “أوفاك” و “ماغنيتسكي” بل تطمح إلى جعل وزراء سابقين آخرين أهدافاً لها وها هي في صدد الإعلان على رزمة جديدة من العقوبات خلال الأيام المقبلة.
هذه المرّة تبدو اللوائح مركّبة، عبارة عن “عصارة” تشمل شخصيات وزارية سابقة إضافية. ما هو لافت حتى الآن أن “الضم والفرز” لم يستثنِ شخصيات محسوبة على فريق 14 آذار، وتبدو شخصية مصنفة في الحقل السيادي وتتمتع بعلاقات أميركية – عربية جيدة مرشحة للانضمام إلى اللوائح السوداء إلى جانب شخصيتين على الاقل تنتميان إلى محور التيّار الوطني الحر وآخر يتسم بدرجة قرابة واضحة مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. كل ذلك يسبق أجواء تفيد أن مسارات أخرى ستتجه إليها العقوبات، من خلال الشروع بضم أسماء تعود لمقاولين هم في الحقيقة “واجهات عمل” لشخصيات سياسية نافذة، شأنهم بذلك شأن محامين ومحاسبين موظفين أو وكلاء عن شركات معينة.
ما يتسرّب في بيروت يفيد أن اللائحة ستستند إلى قانون ماغتنسكي. التسريب يتحدث عن أيام معدودة، أما الاجواء فتشير إلى احتمالية حدوثه اليوم أو الخميس المقبل كأبعد تقدير. بالاستناد إلى نفس الأجواء، تبدو العقوبات موزعة على شرائح سياسية ومذهبية مختلفة. الحديث يدور حول ملامسة الجداول “الحاضنة السُنية” للمرة الأولى منذ بدء المسار، بفعل ملاحظة وجود إسم وزير سابق كان ينتمي إلى تيّار المستقبل. هذه الملاحظة أدت إلى تصوّر أن هذا الشخص قد يُطرح إسمه في الرزمة الجديدة، لكنه أثار التباساً حيال طبيعته السياسية ذات النكهة السيادية، وهو ما يطرح علامات استفهام حيال الهدف من وراء ذلك.
يتوقع أن تضم اللائحة ايضاً اسماء وزراء مسيحيين سابقين كان قد سبق وان سربت اسمائهم إلى الاعلام قبل فترة قصيرة، وهذا الامر في حال حدوثه إنما يدل على إستمرار نهج العقوبات المعممة على التيار الوطني الحرّ. القاعدة تقول: كلما بالغَ جبران باسيل في مواجهة الاميركيين سيكون الثمن بدفع اسماء جديدة على قوائم العقوبات! على الارجح، يُدرك باسيل هذا الجو جيداً، ويعلم أنه اصبح رازحاً تحت منطق الضغط، وعلى ما يبدو فإن خياره سيكون المواجهة.
هذا كله يعني أن الادارة الاميركية الحالية وقبل رحيلها تريد تعميم منطق العقوبات على الجميع، وهذا يقود إلى توافر رغبة أميركية في رفع نسبة المعاقبين بمقدرا جيد يصل إلى ضم مروحة واسعة من الشخصيات. الغاية الأميركية كما يتبين هي فرض عقوبات دون استثناء على أن تشمل بيئات مختلفة وشرائح أخرى لم تشملها العقوبات سابقاً. هذا النهج يُرصد من خلال توافر رغبات لتعميم منهاج العقوبات تأسيساً على استثمار مقبل تحت بدعة إلصاق المسؤولية بحزب الله!
وللغطرسة الاميركية أهدافها من وراء العقوبات، ليست موضوعية بل عامة. ثمة أهداف عدة تسعى لضربها بحجر واحد. من هنا يمكن طرح علامة استفهام حول سرّ تزامن العقوبات عند كل مرة تجري فيها محاولة فرنسية لإنقاذ الوضع في لبنان. من علامات الاستفهام التي يجب طرحها ايضاً، هذا التناغم الواضح الحاصل بين العقوبات ومسار تأليف الحكومة وما يترتب عليه من ظهور تبدلات واضحة على أسلوب عمل الرئيس المكلف سعد الحريري. فعند كل مرّة تُطرح فيها شخصيات على قوائم العقوبات يزداد الحريري حدّة ويرفع من مستوى تشدّده. حدث ذلك حين ادرج الوزيران علي حسن خليل ويوسف فنيانوس فزاد من شروطه على السفير برتبة مكلف سابق مصطفى أديب، واعاد الكرّة حين ضمّ جبران باسيل إلى القوائم ذاتها، والآن يُرشح لان يُدشّن الحريري نهجاً جديداً من التشدّد.
هناك على ضفة الخبثاء من يربط بين نهج العقوبات ومسارات الحريري. التلميح يقود إلى إحتمال وجود علاقة بين العقوبات والحريري شخصياً. ترتفع نسبة هذا الكلام حين تجري الاشارة إلى وجود مبعوث من قبله في العاصمة الاميركية. حدث ذلك وفق المعلومات المتداولة قبل أيام قليلة من إدراج الوزير جبران باسيل على قوائم العقوبات.
ما يزيد من طرح الاسئلة المسار الذي سلكه الحريري بعد إدراج باسيل. رفع من شروطه واسقط كل التفاهمات التي نسجها مع رئيس الجمهورية ثم عاد ليطالب بتشكيل حكومة تحت عنوان “مراعاة المجتمع الدولي”. هذا كلّه يقود لتصوّر أن الحريري يعمل على الاستفادة من العقوبات في إرساء تغييرات على السلم السياسي الداخلي.
المصدر: ليبانون ديبايت