لطالما كانت جبيل جامعة على غرار أكثر المناطق اللبنانية، غير أنّ حادثة الإعتداء على مؤذن مسجد السلطان إبراهيم بن أدهم فجرّت موجة غضب واسعة، بعدما قامت مجموعة من الشباب بالدخول الى المسجد والإعتداء على مؤذنه بالضرب والشتم والسخرية من الآذان.
وبعد عملية متابعة من قبل الأجهزة المختصة، تمكنت قوى الأمن الداخلي من توقيف المعتدي والمحرض الرئيسي في العملية فيما تعمل على ملاحقة باقي المشاركين تمهيداً لتوقيفهم. وفي السياق عينه، قامت دورية من مديرية المخابرات في الجيش بتوقيف شخصين من المعتدين على المسجد وهما “م. خ.” و”ا. م.”.
موجة الغضب بدأت من طرابلس، بعدما قطع محتجون مساء أمس ساحة النور في طرابلس استنكاراً للاعتداء على المسجد، حيث تمّ إشعال الإطارات مساء حتى صباح اليوم، وطالب المعتصمون الأجهزة الأمنية بتوقيف الفاعلين فوراً ومحاسبتهم.
وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي حيث أصبح خبر الاعتداء الأكثر متابعة وسط مطالبات بالقصاص من المعتدين. وتحت هاشتاغ “#مسجد_جبيل” عبر اللبنانيون عن غضبهم من الحادثة، مُشبهين ما تعرض له المسجد ومؤذنه بما حدث من إساءة للإسلام في فرنسا، وطالبوا بالقبض على الفاعل واعتذار رسمي للشيخ.
ردود فعل مستنكرة
وصدر عن المكتب الإعلامي في دار الفتوى بيان أوضح فيه أن “مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان يتابع ما تم نشره عبر بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن اعتداء على مسجد جبيل من بعض الشبان الذين تعرضوا بالضرب للمؤذن”، وطلب دريان من الأجهزة المعنية في الدولة “التحقيق في ما جرى ليبنى على الشيء مقتضاه”.
كذلك أصدرت دائرة أوقاف جبل لبنان بيانا جاء فيه: “بعدما تم إعلام دائرة أوقاف جبل لبنان بالاعتداء الذي وقع على مسجد الإمام إبراهيم بن أدهم – جبيل، وعلى الفور وبتوجيهات من سماحة مفتي جبل لبنان الشيخ الدكتور محمد علي الجوزو بمتابعة الأمر مع الجهات الأمنية المختصة، اتخذت الجهات الأمنية المختصة مشكورة إجراءات سريعة لا سيما آمر فصيلة جبيل بتنظيم محضر فوري بالتحقيق وملاحقة المعتدين، وتم اتخاذ القرار من قبل دائرة أوقاف جبل لبنان بتقديم شكوى مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي في وجه المعتدين وكل من يظهره التحقيق فاعلا أو شريكا أو محرضا أو متدخلا وإنزال أشد العقوبات اللازمة بحقهم. والأمر في إطار المتابعة من خلال الجهات المعنية”.
من جهته استنكر مفتي جبيل الشيخ غسّان اللقّيس الإعتداء الغاشم على جامع السلطان إبراهيم بن أدهم من قِبل مجموعة سخرت من الآذان وتلاوة القرآن ثمّ دخلت حرم المسجد لتعتدي على المؤذّن بالضرب والشتم، قائلاً: “ما نخشاه أن تمتدّ يد الفتنة من فرنسا إلى مدينتنا جبيل ومن ثمّ إلى لبنان”. وأضاف: “جبيل عاصمة الحوار والعيش المشترك ما هكذا يتعامل بعض سكّانها مع قيم الإسلام ومبادئه السمحة”.
ودعا كلّ السلطات الأمنيّة “لحماية مساجدنا وجوامعنا في مدينتنا من أيّ إعتداء وأطالبها بتوقيف الجناة والإقتصاص منهم كي يكونوا عبرة لغيرهم”.
وكذلك فعلت بلدية جبيل التي أصدرت بياناً إستنكرت فيه الاعتداء على المسجد، وجاء في البيان:
“يهمّ بلديّتنا، تنبيه المواطنين في جبيل وفي المناطق اللبنانية كافة، بعدم الانجراف وراء الفتن التي يحاول البعض زرعها، ونرجو منكم تحكيم العقول الرشيدة، من جميع الجهات التي تحاول النيل والعبث في صيغة العيش المشترك في مدينة جبيل عاصمة الحوار والتضامن بين أهلها من الطوائف كافة.
والنبي عليه الصلاة والسلام أمر المسلمين بالاستعاذة من الفتن بقوله:
“تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن”.
وغرد سماحة العلامة السيد علي فضل الله على حسابه الخاص على التويتر معلقا على حادثة الاعتداء على مسجد في مدينة جبيل قائلا:
ندين بشدة الاعتداء الذي طاول مسجد السلطان إبراهيم بن أدهم في جبيل كما نستنكر أي اعتداء يحصل ضد أي صرح او موقع ديني وندعو الجهات الأمنية إلى الإسراع في كشف الفاعلين والمحرضين ومعاقبتهم، لقطع الطريق على أي فتنة تسعى إليها الأيدي الخفية للإيقاع بين اللبنانيين ولاسيما في مدينة جبيل التي مثلت ولا تزال تمثل نموذجا للعيش المشترك والتلاقي بين الأديان والمذاهب
ردود فعل سياسية
أعرب رئيس “التيار الوطني الحر”، النائب جبران باسيل، عن إدانته للإعتداء الذي تعرّض له أحد المساجد في جبيل، معتبراً أنّ أي “اعتداء على مسجد أو كنيسة هو طعنٌ للبنان التلاقي”.
وكتب باسيل عبر حسابه على “تويتر”: “المسجد كما الكنيسة بيت الله، وأي اعتداء عليهما طعنة للبنان التلاقي. كلّ الإدانة لما تعرّض له مسجد الإمام إبراهيم بن أدهم في جبيل، مدينة الانفتاح والحياة المشتركة التي أسقطت عبر تاريخها كل الفتن”.
وأصدرت النائبة رولا الطبش بيانا جاء فيه: “حادث خطير، ينذر بنيات مبيتة لاستدراج البلد نحو فتنة طائفية، قد نعرف كيف تبدأ، والله وحده يعلم كيف ومتى قد تنتهي. لا يمكن وصف اقتحام عدد من الشبان حرم مسجد السلطان إبراهيم بن أدهم في جبيل، والاعتداء على المؤذن بالضرب والشتم، بعد حفلة سخرية من القرآن والأذان أقيمت أمام مدخل المسجد، سوى بجريمة مقصودة تهدف الى جر البلد الى مواجهات طائفية، قد تكون ارتدادات من الخارج، بأيدي من الداخل. جبيل، وكل المدن والبلدات اللبنانية، هي مساحة حوار وتلاقي بين الاديان والايمان، وممنوع ان يحاول بعض الموتورين المأجورين تحويلها الى ساحات فتنة وصراعات”.
ودعت السلطات الأمنية والقضائية الى “المسارعة في توقيف الجناة والاقتصاص منهم”.
من جهته غرد النائب سيمون أبي رميا عبر حسابه على “تويتر”: “بكل بساطة ومنعا للتجاذب الرخيص: 1- ما حصل أمام مسجد السلطان ابراهيم بن ادهم في جبيل هو حادث فردي لا علاقة له بخلفيات طائفية. المطلوب عدم إعطاء الحادث حجما أكبر من حجمه. 2- الاجهزة الامنية والقضائية تقوم بدورها الطبيعي بالتحقيق. 3- جبيل بمدينتها وقضائها معقل العيش الواحد”.
وكذلك إتصل رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان مستنكرا استهداف مسجد الإمام إبراهيم بن أدهم في جبيل.