تصريح الرئيس السوري بشار الأسد عن احتجاز أموال المودعين السوريين في المصارف اللبنانية، لم يُسحَبْ من التداول بعد، وتستمر تردداته في الاوساط السياسية والمصرفية. فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ألمح الى “خطة من الأسد للقضاء على النظام المصرفي بعد ان دمّر وهجّر ونهب”، مشيراً ايضاً الى نيترات الأمنيوم في مرفأ بيروت. ولم يكن وزير الشؤن الاجتماعية الاسبق ريشار قيوميجيان أقل قساوة، عندما طلب في تغريدة الى الرئيس السوري الاستعانة “بمنجِّم أرواح لسؤال أبيه عن سرقة نظامه مئات المليارات من دولارات اللبنانيين”. وما لم يقله جنبلاط وقيوميجيان عبّرت عنه مئات التعليقات والآراء على وسائل التواصل الاجتماعي المنتقدة للموقف السوري.
التصريح الرئاسي السوري كان لافتاً للإنتباه في التوقيت السياسي، حيث يُواجه لبنان أسوأ الأزمات، وسط العقوبات والتعقيدات التي تمنع الاتفاق على تشكيل حكومة، والأهم في ظل الأزمة المالية الحادة بسبب القيود المصرفية التي تمنع المودعين اللبنانيين من سحب أموالهم.
ملاحظات كثيرة يورِدُها منتقدو الموقف السوري. فالقانون اللبناني يمنع المودع غير المقيم في لبنان من فتح حسابات مصرفية له، وبالتالي فإن الحسابات السورية المودعة في المصارف اللبنانية هي لغير المقيمين في سوريا، مما يعني عملياً عدم تأثر الاقتصاد السوري باحتجاز الأموال، وحيث يضع المنتقدون هجرة رؤوس الأموال السورية في سياق الحرب النفسية التي يشنها النظام السوري، والتي تلتقي مع الضغوط التي تُمارس على المصارف، وحيث ان الاستثمار او التوجه الى البنك اللبناني حصل بسسب الحرب السورية، التي استنزفت البشر والحجر وكل شيء في سوريا، وأيضاً بسبب الحصار الأميركي عليها الذي يمتد من سنوات.
برأي إداريين مصرفيين، ليست المصارف اللبنانية التي استنزفت وحجزت دولارات السوريين، فهؤلاء استفادوا من الفوائد المرتفعة في لبنان. وما تعرّض له المودع السوري شبيه بما حصل مع المودعين الآخرين، كما ان ودائعهم سُحبت بمعظمها في السنتين الماضيتين.
عدا ذلك، يمكن الركون في السياسة الى ما يقوله أخصام النظام السوري عن استنزاف خزينة مصرف لبنان، بالإستفادة من الدعم الذي يقدمه للمازوت والنفط والطحين التي يتم تهريبها الى سوريا، إضافة الى مشاكل النزوح واستهلاك الطاقة والبنى التحتية، من دون مساعدة دولية، والعمالة السورية التي كانت تقبض بالدولارارت ويتم تحويلها الى سوريا، مما أدى الى تفاقم أزمة اختفاء الدولار من الأسواق.
الأزمة التي يعاني منها السوريون اليوم بحسب الخبراء، ليس سببها الايداعات في المصارف، بل بسبب توقف العجلة الاقتصادية في سوريا وانهيار قيمة الليرة وتآكل الانتاج المحلي. فلبنان لطالما شكّل الرئة المصرفية للاقتصاد السوري بعد قانون قيصر، حيث “شُفِطَت” دولارات اللبنانيين من خلال العمالة والتهريب الى الداخل السوري. أما إثارة الموضوع اليوم فمن باب المزايدة، ولأن المواطن السوري المقيم في لبنان لم يعد قادراً على شراء الدولار في السوق السوداء وليس اكثر.
المصدر: ليبانون فايلز