تحت عنوان: “تحليل علمي لخطاب باسيل”، كتب سامي كليب في موقع “5 نجوم”: بعيداً عن المواقف والآراء والكثير من التحليلات، التي انقسمت حول خطاب رئيس التيار الوطني جبران باسيل اليوم بين مُغالٍ بالمدح والتهليل الى درجة اعتباره خطابا مقاوما بامتياز، ومُغالٍ بالقدح والشماتة الى حد توقّع نهاية الحياة السياسية للوزير السابق ورئيس اكبر كتلة نيابية مسيحية في البرلمان، يتبين بالمقابل من التحليل العلمي (الكمي والنوعي والبراغماتي) لهذا الخطاب، أن الرجل القلق ضمنيا من العقوبات، حسب كلماته بدقة، بحيث يسعى لتعزيز موقعه عند جمهور حزب الله وقيادته، لكنه في الوقت نفسه يتودد الى الإدارة الأميركية، ويبعث برسائل واضحة الى اللوبيات تقول انه مختلف مع الحزب عقائديا بشأن حق إسرائيل في الوجود وأنه مع السلام. ثم، ويحتمي ب الـ”انا” التي كان لها حضور كبير في الخطاب وازى المفردات الأهم، وب ” نحن” لشد عصب التيار خصوصا مع تلميحاته الى خيانات داخلية.
اليكم بداية التحليل الكمي التقريبي، ذلك ان عدد المفردات قد يختلف في بعض تفرعاتها. (مثلا، لبنان، لبنانية، اللبناني…الخ)
المفردة ترددها في الخطاب
حزب الله وتفرعاته 36 مرة
أميركا وتفرعاتها 47 مرة
لبنان وتفرعاته 44 مرة
أنا 43 مرة
نحن -نحنا وتفرعاتهما 24 مرة
حكومة وتفرعاتها 22 مرة
فساد وفاسد وتفرعاتهما 19مرة
مسيحيون 12 مرة
اسلام ومسلمون مرة واحدة
التيار 14 مرة
الحريري 3 مرات
عون 3 مرات
يتبين من تردد المفردات في الخطاب، أن 4 مفردات تصدّرته، وهي حزب الله وأميركا ولبنان و”انا”، وهذا يعني أمورا عديدة، أولها انه من الطبيعي ان يركز على اميركا ( التي يعتبر انه فضح جزءا من أساليب ضغوطها واسبابها) والحزب لكونهما المعنيين بالعقوبات التي فُرضت على باسيل، وثانيها أن الرجل يُريد ان يُذكّر الحزب في هذه اللحظات السياسية والحكومية الحاسمة والدقيقة بأنه “يُضحي” كثيرا لأجله وان هذه التضحية بحاجة الى ثمن الآن وفي الرئاسة المقبلة، وثالثها ان الرجل يرى نفسه موازيا للدول الكبرى بحيث ان مفردة ” انا” وازت تقريبا مفردة أميركا وقاربت ما يتعلق بلبنان.
يتبين كذلك، ان الموروث المسيحي في ذهن جبران باسيل يعود الى الظهور في كل المحطات الحاسمة، فنرى ان مفردة مسيحيين ومشتقاتها ترددت 12 مرة مقابل المفردة المتعلقة بالمسلمين، رغم ان الرجل تحدث مرارا عن محاولات زرع الفتنة وحماية السلم الأهلي وغيرها، وهي عبارات كانت تفترض تردد كلمة المسلمين مرات كثيرة. وفي هذا فهو يقدّم نفسه أيضا كحامي الدور والصلاحيات للمسيحيين .
يتبين أيضا ان الهاجس الحكومي حاضر في لاوعي رئيس التيار، بحيث انه يقلقه منذ فترة غير قصيرة لشعوره بأن ثمة من يريد أخذ الكثير من الصلاحيات والادوار السابقة منه، واضعافه قبيل الانتخابات الرئاسية. فمفردة حكومة ترددت 22 مرة.
لا شك ان جبران باسيل، يسعى منذ زمن غير قصير الى تدوير كل الزوايا، داخليا وخارجيا (حتى حين يفضح بعض الوسائل الأميركية والضغوط الداخلية) لكن لا شك أيضا ان خصومه وخصوم العهد في الداخل شرسون ومتمرّسون تماما في نصب الفخاخ، ولذلك فهو في التركيز على تضحياته لأجل تحالفه مع الحزب ووثيقة التفاهم، انما يريد دفع الحزب للضغط على حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وينشد تخفيف الضغوط عنه وعن التيار. ويلمّح الى ان بعض خصومه في الداخل هم الفاسدون ولم تشملهم العقوبات التي يرى انها ” سياسية”.
أما في ما يتعلق بمسألة الفساد فقد أشار بذكاء اليها بغية رفع الاتهامات عنه وابطال السبب الأميركي المباشر، نظرا لتأثير ذلك على شعبيته داخليا، فاستخدم المفردة 19 مرة، وأشار الى ان الاميركيين لم يذكروا الفساد في كل اللقاءات معهم منذ العام 2005 ، أي ان المشكلة معهم ليست الفساد في العمق( وهو مبدئيا على حق فالفساد مستشري في لبنان منذ ولادته).
وفي سياق تدوير الزوايا هذا، فان باسيل، بعث برسائل غزل دقيقة لأميركا واللوبيات المؤثرة فيها ، اولى الرسائل تتعلق بإسرائيل نفسها فقال او ذكّر بالتالي:
وثانية الرسائل للإدارة الأميركية المقبلة بقيادة الرئيس المنتخب جو بايدن، حيث قال: نحن نهنئ الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن ونائبته كامالا هاريس أوّل مرّة نائبة رئيس (امرأة)، ونعتزم، مع الادارة الجديدة، العمل على تطوير العلاقات معها. (هنا التركيز على هاريس مهم ذلك ان هذه السيدة الكاريزمية ذات الأصول الهندية والجامايكية القت في خلال حملتها الانتخابية خطابا ناريا امام مجلس العلاقات اليهودية الأميركية الايباك للتأكيد على صلابة دعمها لإسرائيل، ما يعني ان دورها عند اللوبيات سيكون كبيرا)
في التحليل البراغماتي للخطاب (أي ذاك الذي يريد من خلال الكلمات استثارة فعلٍ معين): يريد جبران باسيل دعم حزب الله، ويتمنى على إدارة بايدن ان تغير موقفها بالسياسة او بالقضاء، ويحث اللوبيات المؤثرة على القرار الأميركي الى الالتفات لكونه مختلفا مع حزب الله عقائديا حول فكرة وجود إسرائيل والسلام، وان الخلاف الحقيقي مع إسرائيل هو فقط حول مسائل اخرى مثل الحدود واللاجئين والثروات. كما يريد استثارة تأييد الجمهورين الشيعي والمسيحي (المؤيد للتيار)، بعد ان كسر الجرة مع الجماهير الأخرى خصوصا السنية منها بسبب خلافه مع الرئيس سعد الحريري الذي تأكد أكثر في هذا الخطاب.
واما على المستوى الشخصي، فان استخدام مفردات ال ” انا” المحمية ب” نحن ونحنا”، وعبارات النفي ” لا ” و”ما”، فهي تؤكد المؤكد حول التركيبة الشخصية لجبران باسيل وكيفية نظرته الى نفسه على أنه أكثر قوة من الجميع ومن كل الازمات. ولعل هذا جزءٌ من مشكلته داخل وخارج التيّار.
لا شك ان جبران باسيل أصيب بضربة قاسية بهذه العقوبات، التي لو أصر عليها الكونغرس فسوف تكون عائقا حقيقيا أمام طموحه الرئاسية، ولا شك ان الجزء البسيط الذي كشفه كان جريئا وسط العواصف الكثيرة في المنطقة ، ولا شك ثالثا أنه يضع حزب الله امام “دينٍ” شخصي وسياسي ليس سهلا، لكن الأكيد ان الاستسلام والانكفاء ليسا في طباع الرجل، وانه سيزداد تصلبا وعنادا وشراسة في الداخل حيال خصومه مهما كان الثمن، بينما خارجيا سيحاول إعادة مد الجسور مع اميركا وغيرها لإدراكه ان المواجهة معها في هذه الأوقات انتحارية، وان جزءا من التيار نفسه لا يريد ذلك. فلو أراد القطيعة لكشف كل شيء، وهو المح الى ذلك.