لعلّ الشعار يختصر بحدّ ذاته الموقف الذي خصّص له باسيل الحيّز الأكبر من مؤتمره الصحافي، وهو أنّ هذه العقوبات ليست أكثر من “عقابٍ” له، لأنّه رفض “الخضوع”، ولأنّه لم يقبل “الإغراءات” التي مُنِحت له، والتي كان بالإمكان أن تعطيه “نجوميّة” يحلم بها كلّ مُتعاطٍ في الشأن السياسيّ في لبنان.
أبعد من ذلك، ذهب باسيل بحديثه عن “اغتيالٍ سياسيّ” يتعرّض له، عبر العقوبات التي حرص على اعتبارها “جائرة”، خصوصاً أنّها بحسب البيان الأميركيّ المزعوم، ركّزت على “الفساد وحقوق الإنسان”، في حين لم تأتِ “الإغراءات” السابقة لها بذكر شيءٍ سوى “حزب الله”، ووجوب “فكّ الارتباط” عنه.
الردّ… بالحكومة!
لكن، أبعد من هذه “الشعارات” التي قد تحتمل جانباً كبيراً من الصحّة، باعتبار أنّ العقوبات الأميركيّة تبقى بمجملها “سياسية” بالدرجة الأولى، وهي التي لا تزال حتى اليوم توفّر الكثير من الأصدقاء والحلفاء، الضالعين بالفساد، يُطرَح سؤال عن “الترجمة العملية” التي يمكن أن يلجأ إليها باسيل في القادم من الأيام.
لعلّ الترجمة الأولى ستكون على خطّ الحكومة الموعودة والمُنتظَرة، والتي يقول البعض إنّها كانت تواجه ما يكفيها من صعوباتٍ ومعوّقاتٍ أقرب إلى “الويلات”، ولم يكن ينقصها سوى “عقوبات” من النوع الذي فُرِض على باسيل، حتى يصبح “الترحّم” عليها “مسألة وقت” لا أكثر، تماماً كما فعلت العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس والتي أطاحت بمهمّة السفير مصطفى أديب سابقاً.
ومع أنّ باسيل نفى مثل هذا التوجّه، بل أوحى بأنّ العقوبات ينبغي أن “تعجّل” بتأليف الحكومة، فإنّ “الهواجس” من أن يكون الردّ عبر الحكومة، لم تغب عن المعنيّين بالشأن الحكوميّ، خصوصاً مع “مبالغة” بعض المقرّبين من باسيل، والمحسوبين على خطّه السياسي، الذين وصل الأمر ببعضهم إلى حدّ “اشتراط” توزير باسيل شخصياً في الحكومة، باعتبار أنّ ذلك من شأنه أن يشكّل “أبلغ ردّ” على العقوبات “الظالمة” بحقه!
“تحرّرت”!
وعلى رغم أنّ مثل هذا الطرح لا يزال “مُستبعَداً”، خصوصاً أنّ أيّ أثرٍ له لم يُرصَد في المؤتمر الصحافي لباسيل، إلا أنّ مضمون الخطاب لم يوحِ في الوقت نفسه بأنّ “الإيجابية” ستسلك طريقها بيُسْر وسهولة، علماً أنّ مؤتمره لم يَخلُ من الرسائل “المشفّرة”، بعنوان “وحدة المعايير” التي سبق له أن رفع لواءها.
ولعلّ إصرار باسيل على القول إنّه “تحرّر” بعد فرض العقوبات عليه، بمعنى “الخلاص” من الضغوط التي كان يتعرّض لها في الآونة الأخيرة، والتي جعلته “ينأى بنفسه” إلى حدّ بعيد، من شأنه أيضاً أن يبلور صورةً مختلفة لتعاطيه في الملفّ الحكومي، مع ما يعنيه ذلك من دخولٍ مباشرٍ على خطّ الحكومة، عبر فرض شروطٍ ومعادلاتٍ، لن يكون “الخوف” من العقوبات حاضراً بين طيّاتها.
وكما في الحكومة، يُعتقَد أنّ هذا “التحرّر” سيكون له مفاعيل على أكثر من خطّ، إذ يرى كثيرون أنّ باسيل وجّه من الرسائل في مؤتمره الصحافي ما يكفي أيضاً لـ “حزب الله”، خصوصاً بإيحائه بأنّه يدفع ثمن “التفاهم” معه، وما دعوته إلى “تطوير” هذا التفاهم بما ينسجم ويتلاءم مع المتغيّرات الحاصلة، سوى دليل واضح ستكون له تبعاته على مختلف الصعد والمستويات بطبيعة الحال.
ما قبل العقوبات لن يكون كما بعدها، لا على صعيد تعاطي الوزير السابق جبران باسيل مع الملفّ الحكوميّ، ولا حتّى على خطّ علاقته بسائر القوى السياسيّة، الحليفة منها قبل الخصمة، ولو أنّه حرص على “تغليف” الأمر في مؤتمره الصحافيّ الأول بإيجابيّةٍ مبطنة، ستكون الأيام المقبلة كفيلة بكشف حقيقتها، كما “خباياها”!