كتب منير الربيع في “المدن”: لقراءة المسار المعقد لعملية تشكيل الحكومة، لا بد من الخروج عن السياق اليومي التفصيلي، والذهاب إلى ما هو أبعد وأشمل: المقارنة بين طبعين وذهنيتين وجيلين تختلف كل منها لدى رئيس الجمهورية ووئيس الحكومة المكلف. وهذا له حضوره في مهمة تشكيل الحكومة، التي هي دولية قبل واكثر من أن تكون محلية. وأساسها إقناع المجتمع الدولي بتقديم مساعدات للبنان. وعليه، فالأهم هو ما الذي تقدّمه هذه الحكومة.
سياسة عون العسكرية
في البداية هناك إقرار دولي وتُجمع عليه جهات متعددة، وهو أنه يصعب على ميشال عون وعهده تحقيق أي إنجاز. وهذا يعود إلى طبيعته وطبعه وتجربته العسكرية، وخوضه المعارك في الجيش اللبناني، آخرها في نهاية ثمانينات القرن الماضي، عندما عيّن رئيس حكومة عسكرية. حتى أنه في معاركه تلك لجأ إلى قصف الطرق والجسور. وفي الخلاصة، أن الرجل يخوض السياسة والرئاسة كأنهما فعل حربي، فلا يمانع قطع الجسور مع الجميع، ولو أدى ذلك إلى تطويقه نفسه وحصاره.
وهذا السلوك يطبع جلياً مسار عون والعونية السياسي: في الداخل حصر تحالفه بحزب الله وحده. وفي الخارج حصر تحالفاته مع النظامين السوري والإيراني، مع انفتاح على روسيا. وهو أهمل بل قطّع ودمّر الجسور الأخرى مع أوروبا وأميركا والدول العربية. وربما استند أيضاً إلى بعض العلاقات أو التقاطعات الأيديولوجية مع قوى يمينية عالمية. لكن هذه قد توفر دعماً سياسياً وغطاء معنوياً ما، لكنها لا توفر مقومات دعم سياسي فعلي. خصوصاً أن نزعة عون والعونية الأقلوية لا تمنعه من معاداة الأكثرية، وإشهار سيف الخصومة في وجهها. وهذا ما فعله صهره جبران باسيل، سواء بالدعوة إلى التحالف المشرقي، أو إعلاء شأن تحالفه مع الشيعة والعلويين، في مقابل مخاصمة السنّة. مع العلم أن أي مساعدة حقيقية وفعلية للبنان، لا يمكن إلا أن تكون من دول الخليج العربية.
لذلك، لا يمكن الرهان على تقديم أي مساعدات للبنان، طالما عون مقيم في بعبدا. والأزمة اللبنانية مرشحة إلى مزيد من التفاقم جرّاء العقوبات الأميركية.
الحريري وإرثه
في المقابل، لا فتيو دولياً على سعد الحريري. صحيح أن دول كثيرة تفضل عدم عودته، لكنه يبقى الأساس دولياً، تبعاً لتراث أو إرث والده في لبنان وفي علاقاته العربية والدولية، وما يمكن لابنه أن يقدمه، في حال تشكيله حكومة بشروط معينة:
أولاً، أن يكون شكلها مقبولاً، لجهة الوزراء المختارين، وإن كانوا محسوبين على القوى السياسية. ثانياً، البرنامج الذي ستنفذه الحكومة، اقتصادياً ومالياً، بالتزامها شروط صندوق النقد الدولي، في موازاة مسلكها السياسي في ملف ترسيم الحدود، وتعزيز قوات اليونيفيل، وتأمين مراقبة المطار والمرفأ، وضبط المعابر.
هناك أيضاً صعوبة تحقيق أي شيء على هذه الصعد، في ظل استمرار التصعيد الأميركي – الإيراني، على أمل حصول تغير بعيد المدى بين واشنطن وطهران.
الحكومة مؤجلة
وفي المعطيات المتوفرة حالياً – وبما أن عون وباسيل لا ينويان التنازل لتشكيل الحكومة – فإن الاستحقاق الحكومي يظل طويل الأمد. وفي هذا السياق يظل الحريري مرتاحاً، وفق ما يُنقل عنه. فالعقوبات لن تطاله. وإن طالت مقربين منه، هو على أتم الاستعداد لإبعادهم من حوله.
ثم إنه يعيد ترتيب أوراقه التفاوضية في عملية التشكيل، من دون أن يقدم تنازلات. بل سيبقى ممسكاً بورقة التأليف ولن يتخلى عن ورقة التكليف، مع إعادة التشدد في شروطه: عدم التنازل عن وزارة الداخلية، وعدم الاتفاق على وزارة الطاقة، إضافة إلى تمسكه بحكومة مصغر