وصلت السلطة إلى حائط مسدود، مع استحالة الهروب من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، والتي أكّد عليها المجتمع الدولي كمسلك رئيسي للخروج من المستنقع. لكنَّ السلطة تدرك أن الخروج يعني افتضاح أمر أركانها، فتراها تجتهد لاصطناع العراقيل الحائلة دون إتمام التدقيق، بعد تعذّر التملّص منه كلّيّاً.
دوّامة القانون
حلَّ قانون السريّة المصرفية ضيفاً غير مفاجىء على عملية التدقيق الجنائي، حين استخدمه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة متراساً، يحمي به نفسه وكبار أركان المنظومة الحاكمة، لعلمهم جميعاً أنَّ عدم تسليم الملفّات والمستندات المطلوبة لضمان حسن التدقيق، سيعرقل العملية ويمنع شركة ألفاريز المكلّفة إجراء التدقيق، من إنجاز مهمّتها. وحينها، تستسلم الشركة وتعلن احتكامها للعقد الموقَّع بينها وبين الدولة اللبنانية، فتربح الشركة البند الجزائي المحدد بقيمة 150 مليون دولار، غير آبهة بمصير البلاد وأموالها.
لقاءات واجتهادات سياسية لم تفلح في سد الفجوة القانونية. وبين رأي وزيرة العدل ماري كلود نجم وما يقوله سلامة، يعمل وزير المالية غازي وزني على خط التهدئة واكتساب الوقت، علَّ مخرجاً ما يَستَجِد، فتُستَكمَلَ عملية التنصُّل وفقه. فكان خيار تمديد مهلة تسليم المستندات المطلوبة للشركة، مدّة 3 أشهر. فعوض انتهاء المهلة مطلع شهر تشرين الثاني الجاري، ستنتهي في شباط المقبل. وأحيل موضوع تفسير مفهوم السريّة المصرفية، إلى هيئة التشريع والاستشارات. وهذه عملية تضليل أخرى، تكسب السلطة وقتاً من خلالها. إذ أنَّ رأي الهيئة غير مُلزِم، وبالتالي يبقى باب الاجتهادات على وقع الخلافات السياسية، مفتوحاً.
حلّ الخلاف المصطنع، سهل جداً، وفق ما تقوله مصادر في مصرف لبنان، في حديث لـ”المدن”. فإن كان من الصعب تعديل القانون والبحث عن مخارج متشعّبة، “يمكن للمجلس النيابي التصويت على خيار تعليق العمل بالقوانين التي تعيق إجراء التدقيق. على أن يُلغى التعليق ويُعاد العمل بها، بعد انتهاء التدقيق”.
الارتطام بالقعر
البحث عن حلول لتسهيل التدقيق، يصبح مطلوباً فيما لو كانت السلطة تبحث فعلاً عن نجاح التدقيق، لكنَّ العكس هو الصحيح. أمّا شركة ألفاريز، فلا تبحث سوى عن مصلحتها المادية، وعلى رأسها قيمة البند الجزائي، الذي يفوق الكلفة المدفوعة لها لقاء خدماتها. فهي إذاً قَبِلَت تمديد المهلة الزمنية لأنها تعلم عدم رغبة السلطة السياسية إجراء التدقيق، وستبحث عن تسوية مع السلطة لاحقاً، فإمّا تحصل على قيمة البند الجزائي أو قيمة أقل تفي بالغَرَض. فألفاريز في نهاية المطاف، ليست شركة تدقيق جنائي، وإنما جرى إلصاقها في هذه المَهَمَّة خدمة للسلطة.
السلطة في هذه الحالة اكتسبت لنفسها مهلة زمنية هي 3 أشهر، ستعمل خلالها على محاولة تخطّي عقبة تشكيل الحكومة، ومن جهة أخرى على إدارة الإرتطام الاقتصادي والنقدي “الآتي في منتصف شهر كانون الأوّل، على أبعد تقدير”، بحسب المصادر. وليس في يد السلطة أدواتٌ للإدارة الإيجابية، وإنما هي إدارة “بما تَيَسَّرَ من تسويات”.
تداعيات الإرتطام مؤذية جدّاً، “تبدأ من ارتفاع سعر صرف الدولار إلى نحو 12 ألف ليرة، ويتبعها ارتفاع في أسعار السلع واختفاء الكثير منها. وليس أمام مصرف لبنان شيء ليفعله، وإن حاوَلَ فعل شيء، فسيزيد الضغط على ما تبقّى مِن أموال للمودعين على هيئة احتياطٍ إلزامي”.
لا تدقيق جنائياً في المستقبل القريب، ولا نوايا لتخفيف أزمة الدولار وارتفاع الأسعار. فلا أحد يملك مفاتيح الحلّ مهما جرت عَرقَلة الإرتطام الذي سيفجّر تشعّبات لا حصر لها من التداعيات السلبية على الاقتصاد والعملة اللبنانية، التي ستترَحَّم على الأسعار التي تُثقِلها اليوم، والتي تدور في محيط الـ7500 ليرة وصولاً إلى نحو 8000 ليرة. فلاحقاً، سيصبح معدّل الـ10 آلاف ليرة، مستوىً مطلوباً لأخذِ استراحة، قبل عودة الارتفاع إلى 12 ألف وربما أكثر.
المصدر: المدن