جاء كلام الرئيس السوري بشار الاسد والذي حمل فيه المصارف اللبنانية مسؤولية أزمة سوريا بمثابة اعتراف واضح من رأس النظام السوري بتحول لبنان الى بنك لرجال الاعمال السوريين الداعمين للنظام، وبرر بشكل غير مباشر التصرفات الاميركية تجاه بعض المصارف اللبنانية واعترف ايضا بشرعية المعركة التي يخوضها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لحماية النظام المصرفي اللبناني الذي تعرض لانتكاسة كبيرة بفعل السياسات المتبعة من قبل ايران وحلفائها في المنطقة.
الاسد الذي قال ان “ودائع بمليارات الدولارات لسوريين محتجزة في القطاع المالي اللبناني بعد أزمة مالية كبيرة هي سبب رئيسي وراء الأزمة الاقتصادية السورية المتفاقمة”، لفت الى أن الازمة غير مرتبطة بقانون قيصر بل ب”المصاري لراحت بالبنوك اللبنانية”.
كلام الاسد يكشف تاريخ التعامل المالي بين لبنان وسورية ويقوده منذ التسعينات رجال اعمال سوريين مقربين من الاسد وهم من الدائرة الضيقة للنظام من الاب الى الابن والاقرباء كما الامنيين الذين تسلموا الملف اللبناني ك”عبد الحليم خدام وغازي كنعان ورستم غزالة كما مصطفى طلاس وغيرهم من الضباط”.
يصوب الاسد أيضا على ابن خاله رجل الاعمال رامي مخلوف الذي يعد من أبرز المتمولين الذين استثمروا في لبنان لاسيما بعد العقوبات الاميركية على سورية وحصارها، حيث تغلغل الرجل عبر أمواله بأحزاب سياسية لبنانية لها امتداداتها الاقليمية، وهنا لا نتحدث فقط على احزاب تدور في فلك النظام ك “البعث والقومي”، بل أيضا داخل حزب الله، حيث تؤكد أوساط واسعة الاطلاع أن اخراج عائلة مخلوف من سورية الى دبي لم تكن بهذه السهولة بل كانت عملية أمنية دقيقة قادها رجال من الدائرة الضيقة في الحزب بعيدين من الاعلام.
مخلوف الرجل الذي هرَّب أمواله من سورية الى لبنان فتح الكثير من المؤسسات منها في الاعلام وبعضها في مجالات أخرى مرتبطة بقطاع العقارات والتجارة، والاسد الذي انطلق بحملة “تطهير” لمؤسسات مخلوف في البلاد أدرك أن معظم ثروته قد تم تهريبها الى الخارج وقسم كبير منها الى لبنان وعبر رجال اعمال وشخصيات سياسية نافذة تدور في فلك قوى الثامن من آذار وارتبط الرجل بشخصيات روسية قريبة من بوتين.
مخلوف ليس الوحيد ضمن منظومة الاسد المالية، ف “سامر فوز” المجنس حديثا في لبنان يعتبر أمبرطور المال والمساند الابرز لاقتصاد النظام، هو الذي سارع الى شراء حصة الوليد بن طلال من فندق فورسيزن الذي تم افتتاحه عام 2005 في سورية، يعتبر خليفة مخلوف في البلاد حتى أن البعض اشار الى لقاء في الفترة الاخيرة بين فوز والرئيس السوري حيث ناقش معه مواضيع اقتصادية منها ملف شركات الاتصالات الخلوية ومشاريع تنموية، وتمكن من تهريب أمواله الى لبنان بعد العام 2011 حيث بدأ الرجل بجمع ثروته مستفيدا من الازمة من خلال تمرير صفقات في مناطق يسيطر عليها الاكراد وتنظيم داعش حيث يعد الرجل ورقة جوكر لجميع الاطراف المتنازعة وقد أسس نظاماً مرادفاً للنظام السوري في الشمال السوري ومنطقة شرق الفرات كما نسج علاقات مع السلطات التركية للدخول عبرها الى مناطق المعارضة السورية.
كل أموال الصفقات التي عقدها فوز كانت تصب بالبنوك اللبنانية التي استفادت بشكل كبير من هذه الاموال وبعضها ارتبط برجال اعمال محسوبين على حزب الله ومقربين منه، وقد اتهمته الحكومة الأميركية بالاستفادة من نقل وبيع النفط الإيراني إلى سوريا عن طريق احدى الشركات اللبنانية، بالمخالفة للعقوبات المفروضة من قبل واشنطن على طهران.
يعتبر فوز الخاسر الابرز بالنسبة للاسد من الازمة المالية في لبنان، ورغم تهريب عدد من رجال الاعمال اموالهم الى الخارج قبل الازمة الا أن القيود المفروضة على الرجل لم تسمح له بتهريب الاموال بشكل كبير وعبر اسماء مموهة، ما رتب أعباء اضافية على النظام الذي كان يخصص قسما كبيرا من تلك الاموال لرواتب العسكريين في الخدمة وبعض موظفي القطاع العام.
ثمة الكثير من رجال الاعمال الذي كان يستند عليهم النظام السوري لانعاش اقتصاده وتدبير أموره رغم كل العقوبات عليه، وكان لبنان متنفسا لحركة الاموال هذه في ظل صعوبة نقلهم الى العراق أو أي دولة اخرى، لاسيما وأن السرية المصرفية الموجودة لدينا تسهل كثيرا على رجال الاعمال تحريك أموالهم وتهريبها الى الخارج وهو ما حصل مع عدد من رجال الاعمال السوريين.
اليوم ثمة حديث عن حراك مالي يقوده شقيق أسماء الاسد في لبنان وهو يمول عدداً من الاطراف مستفيداً ايضاً من علاقات حزبية تمددت وفتحت خطوط تهريب بين لبنان وسورية وبدأت تستثمر في بعض المناطق المحسوبة على جهات موالية لسورية، وسط مخاوف من قبل الاسد على خروج هذه المنظومة من قبضة النظام والذهاب باتجاهات أخرى ان على علاقة مع ايران أو روسيا، وهذا الامر يغضب الاسد الذي يفقد مع الوقت الكثير من نقاط القوة في النظام.
قال الاسد كلمته التي سيكون لها تداعيات كثيرة على المستوى الداخلي والدولي حيث أكد الرجل أن المسار اللبناني السوري لا يزال واحدا رغم وجود كل طرف في بلده، ولكنه يدل على اصابات مباشرة في بنية النظام الاقتصادي بعد ضرب بنيته الامنية والعسكرية.
المصدر: ليبانون فايلز