كما كل مفاوضات مباشرة او غير مباشرة، هناك وقت استراحة اما لتناول القهوة او الغداء او العشاء، وهذا الامر متعارف عليه في كل الاجتماعات المحلية او الاقليمية او العالمية، وبما ان المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الاسرائيلي في الناقورة التي تجري برعاية من الامم المتحدة وتحت علمها وبوساطة “مسهّلة” اميركية تمتد لساعات وغالبا ما يتخللها موعد الغداء، فان الراعي الدولي يعلّق المفاوضات لوقت محدد لتناول الغداء ومن ثم تتواصل لاحقا.
ولكن ما جرى في الجولة الاخيرة، من محاولات لنقل صورة مغايرة لما يحصل في داخل خيمة التفاوض، يثبّت مرة اخرى ان الجانب الاسرائيلي ومعه الراعي الدولي والوسيط الاميركي يردون احداث خرق ولو شكلي في طبيعة التفاوض، من خلال تسليط الكاميرات لالتقاط ولو صورة عابرة وتظهيرها على انها تطور مهم “وكيمياء” بدأت تركب بين الوفود وهي في حقيقة الامر لن تركب هذه الكيمياء ابدا، لان الوفد اللبناني ذاهب بمهمة لبنانية وطنية اجماعية واحدة، وهي تثبيت الحقوق اللبنانية في الحدود البحرية والبرية تحت سقف القرار السياسي للسلطات الدستورية لا سيما الحكومة اللبنانية مجتمعة التي يعود لها وحدها القرار النهائي في ما يجب ان يكون عليه الترسيم.
الغداء الافتراضي
فما الذي حصل في وقت الغداء الافتراضي في الجولة الاخيرة من مفاوضات الترسيم؟
بعد قرابة ثلاث ساعات من المفاوضات ومع حلول موعد الغداء، اوقف الراعي الاممي الجلسة ورفعها لتناول اعضاء الوفود الغداء، وبقي كل وفد الى طاولته، الاسرائيلي على طاولة وفي الوسط الاممي مع الاميركي، واللبناني الى طاولته، ولم يكن هناك طاولة تجمع كل الوفود ولا “بوفيه” مفتوح، انما كل ما في الامر انه تم توزيع “سندويش” مع عبوات مياه وعصائر على اعضاء الوفود من دون اي شراكة لا في الطاولة ولا في انتقاء الطعام.
تسلل المجندة
وفي هذه الاثناء، تسللت مجنّدة في الوفد الاسرائيلي من طاولة وفدها الى طاولة الوفد الاممي والاميركي، وجلست بطريقة قريبة الى طاولة الوفد اللبناني الذي كان يدير الظهر الى طاولة الوفد الاممي والاميركي، ويبدو ان المصور الرسمي لقوات الامم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) تواطئ مع المجندة الاسرائيلية وعمد الى التقاط صورة من زاوية معينة تظهر وكأن المجندة الاسرائيلية تتناول غداءً مشتركاً مع الوفد اللبناني، ولكن ما كذّب هذا التوظيف ان ما تم تسويقه عبر الصورة المختلسة، يكذّب هذا الاستثمار لان احد اعضاء الوفد اللبناني الذي ظهر في الصورة كان يدير ظهره للطاولة التي جلست اليها المجنّدة.
وفد مستنفر
كل ذلك، يثبت ان الوفد اللبناني الذي يذهب الى الناقورة عند كل جولة مفاوضات مستنفرا الى ابعد الحدود حتى لا يقع في اي مكيدة او هفوة، ومستندا الى تفويض وطني كبير من قيادته العسكرية ومن رئيس الجمهورية، انما يفاوض على ثلاث جبهات، اسرائيلية واممية واميركية، كون هؤلاء مجتمعين يريدون مسارا مختلفا للمفاوضات منه حيث الشكل، يكون فيها التفاعل تلقائي وبلا ضوابط او ممنوعات، وهذا الامر لن ينجر اليه الوفد اللبناني تحت اي اعتبار.
المصدر: أخبار اليوم – داود رمّال