البلاد ببساطة غير قادرة على تحمّل عملية المساومة الطويلة التي تحصل عادةً عند تشكيل الحكومات. إنهار الاقتصاد وتراجت قيمة الليرة اللبنانية، وفقد المواطنون اللبنانيون مداخيلهم ومعاشاتهم التقاعدية ومدّخراتهم. فإذاً، ما شهدناه حتى الآن مجرّد قطرة من بحر السخط الشعبي الذي قد نشهده لاحقاً.
لكن السؤال الذي يحتل الحيز الأكبر من الأهمية يتمحور حول خيارات حزب الله، ان كان سيواصل التمسّك بشهوات باسيل على حساب استقرار لبنان؟
في مطلق الأحوال، سيكون مصير الحريري مع هكذا طبقة متشدقة، حكومة فشل فكل الوزارات ومؤسسات الدولة خاضعة إلى نفوذ سياسيين أقوياء وقادرين على عرقلة عمل وزراء الحكومة الجديدة بشتّى الطرق.
امّا النغمة القديمة الجديدة فهي حكومة المثل الشعبي “تيتي تيتي متل ما رحتي جيتي”، كما قال الحريري سابقاً عند اعتذاره من اللبنانيين في حكومة العهد الأولى عن التأخير في تشكيل الحكومة، مؤكداً وقتها ان “زمن العلاج بالمسكنات قد انتهى، ولم يعد لاحد القدرة على ان يدفن رأسه بالرمل، فالامور واضحة كالشمس”، مشدداً حينها على انه “باق مع فخامة الرئيس كفريق واحد وقلب واحد لخدمة البلد”.
وقال ان “هناك من يرغب في رمي الجمر بين يدي، وبالتالي، “ليس لدي ولدى الوزراء اي خيار، وعلينا مع فخامة الرئيس والمجلس النيابي ان نتحمل هذه المسؤولية، ونمنع انتقال الجمر الى بيوت اللبنانيين”. انتقلت الجمرة ودمرت بيروت وسقط الشهداء وضحايا وشُرد الالاف، وها هُمّ على ابواب الشتاء دون سقف يحمي رؤوسهم، او حائط يمنع السارق من احتلال بيوتهم، فكأن شيئاً لم يكن والبلاد في احس الاحوال!
فمن المسؤول اليوم عن نسف المبادرة الفرنسية، والاستهزاء برئيس دولة عظمى والوعود المزيفة له؟
وفقدان الاولوية في أجندته الذي اصيب بخيبة أمل من فشل القوى السياسية اللبنانية في التقاط لحظة دولية إقليمية مؤاتية للحصول على مساعدات يحتاج اللبنانيون إليها حاجة ماسة. والأسوأ من كل ذلك انها ستعرّض الحريري لضربة قاصمة من الجهة الخارجية متى اتّضح انها كانت نتيجة محاصصة أطاحت بكل التعهدات التي قطعها الحريري للالتزام بالمبادرة الفرنسية. فالجميع في ملعب المحاصصة يلعبون وحدهم دون فريق يعارضهم او يُلقي الهزيمة بهم، لا شيء ولا اي قوة ستغير نهجهم المتقاطع مع مصالح مذهبهم وحزبهم اضافةً الى مستقبلهم السياسي، طالما هناك من يُمجدهم، حتى ان سقطت السموات على الارض، باقون ! بالتالي هُمّ فريق متجانس متقاطع متعاطف مع احلام “ابليس”، ممكن تنفيذ او تطبيق اي نوع من الاصلاحات في المخيلة فقط.
امّا العقدة اليوم المُتجلية بإصرار الحريري على حكومة من 18 وزيراً، بِظن رئيس الحزب الديمقراطي طلال ارسلان أن الأمر يشكل استهدافاً للطائفة الدرزية وله شخصياً، على اعتبار أن حكومة الـ16 وزيراً كما حكومة الـ20 وزيراً، تؤمنان مقعدين درزيين يكون له حصّة فيهما. من جهته، يتخوّف فريق رئيس الجمهورية من استئثار النائب وليد جنبلاط بالتمثيل الدرزي في الحكومة، ويمسك بيده لعبة الميثاقية.
دقت عقارب الساعة، ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية تُملي التمهل قبل تقرير الطبيعة النهائية لتركيبة الحكومة اللبنانية وماذا سيكون عليه افق سياساتها وهو امر يقف وراءه حصراً حزب الله، مهما تبجح بتسهيل مسار تسهيل تأليف الحكومة. ومن جهة يقف وراءه رئيس حزب العهد وتياره النائب جبران باسيل، فهناك معطيات انكشفت الى اتجاه التيار العوني للإستئثار بأكبر عدد من الحقائب الوزارية الأساسية تزامن مع إعادة عرقلة التوافق على أسس تركيبة الحكومة التي كان الحريري اتفق مع عون عليها. ولكن في مطلق الحالات ستتألف الحكومة عاجلاً أم آجلاً، ولا يبدو انها ستكون مختلفة عن الحكومة المستقيلة.
المصدر: الكلمة أونلاين – شادي هيلانة