رياض سلامة يتمرد على قرار السلطة السياسية

التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان في أيامه الأخيرة. لا أحد يتوقع أن يكفّ رياض سلامة عن التمرد على قرار السلطة السياسية، حتى مع وجود استشارة قضائية تؤكد أن مصرف لبنان ملزم، بصفته مصرف القطاع العام، بتطبيق قرارات الحكومة، وبالتالي التعاون مع شركة التدقيق. رأي هيئة التشريع والاستشارات يؤكد أيضاً أن السرية التي يتذرع بها سلامة لعدم تسليم المعلومات لشركة التدقيق، لا تدخل الجرائم المالية ومخالفات المصارف ضمن نطاقها، لكن ذلك لن يغيّر شيئاً في الواقع. الحماية السياسية لا تزال حاضرة لإحباط أي محاولة لكشف مغارة القطاع المصرفي. وهذا يعني أن الفترة المقبلة ستشهد تصاعداً للصراع السياسي، وخاصة في ظلّ إصرار رئاسة الجمهورية على إنجاز التدقيق

نظرياً، لم يُقفل ملف التدقيق الجنائي بعد، وإن كانت كل المؤشرات تؤكّد أن الإعلان عن فشله لن يتأخر. يوم غد هو موعد نهاية المهلة المحدّدة لمصرف لبنان للإجابة عن أسئلة شركة «الفاريز أند مارسال»، التي أعادت إرسالها إلى المصرف عبر وزارة المالية. لا مفاجآت متوقعة. عبارة «هذه المعلومات ذات طبيعة سرية وفقاً لقانون النقد والتسليف»، التي ملأت الخانات في المرة الأولى، ستعود لتملأ الخانات المرافقة للأسئلة المطلوبة مرة ثانية. وهذا سيقود، كما أُبلغت أكثر من جهة، إلى إعلان شركة التدقيق توقّفها عن العمل، هي التي كانت قد أوضحت عند إرسالها الأسئلة مرة أخرى أنها «لن تتمكن من القيام بعملها في حال عدم توفر هذه المعلومات».

أمام هذا الواقع، كان لافتاً أن أحداً لم يناقش أساس المشكلة، أي امتناع مصرف لبنان عن تسليم معلومات لا تخضع للسرية المصرفية ولا يعيق قانون النقد والتسليف تسليمها. لم يعترض أحد على اعتماد سلامة على هذين القانونين كشمّاعة لرفض تسليم معلومات يحق للمجتمع الاطلاع عليها، قبل الحديث عن حق الحكومة أو حق شركة التدقيق المكلّفة من قِبلها.

اللافت أن كثراً، ومنهم «مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان»، ذهبوا إلى التسليم بأن السرية المصرفية والسرية المهنية تمنعان مصرف لبنان من إعطاء كل الداتا المطلوبة. لكن على سبيل المثال، لم يسأل أحد لماذا تكون معاملات الهندسة المالية مشمولة بالسرية؟ ولماذا يكون حتى طلب وثيقة تتضمن «وصفاً لأنظمة الدفع والمحاسبة المتبعة» سرياً؟ هكذا قرر سلامة، مدركاً أن لا جهة أو أيّ نص قانوني يمكنه إلزامه بما لا يريد، طالما أنه لا يزال مشمولاً بالرعاية السياسية. وبناءً عليه، لم يكترث سلامة لطلبات الشركة ووزارة المالية. وبعدما استهزأ حاكم مصرف لبنان بكل الأسئلة المرسلة إليه، عاد وزير المالية غازي وزني إلى هيئة الاستشارات مجدداً، طالباً إبداء الرأي بمدى تلاؤم مهمة شركة التدقيق الجنائي مع قانونَي السرية المصرفية والنقد والتسليف.

في الاستشارة الرقم 881/2020، الصادرة عن رئيسة الهيئة جويل فواز، في 22 تشرين الأول الماضي، والمحالة إلى وزارة المالية في 26 منه، تأكيد أن «السرية المصرفية تنحصر فقط بعدم إفشاء أسماء الزبائن وأموالهم والأمور المتعلّقة بهم، ولا يدخل ضمن نطاقها ضبط مخالفات المصارف والجرائم المالية التي ترتكب في إدارة الأموال من جانب المؤسسات المصرفية». كما أفادت بأنه «في حال كان لهذه الجرائم ارتباط وثيق بأسماء الزبائن، فيشار إلى أسمائهم بأرقام حفاظاً على السرية بالنسبة إليهم».

تخلص الاستشارة إلى أن قرار مجلس الوزراء التعاقد مع شركة «ألفاريز اند مارسال» للقيام بعملية التدقيق الجنائي ما هو إلا تطبيق للمادة 65 من الدستور التي أناطت بمجلس الوزراء رسم السياسة العامة للدولة في جميع المجالات واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها. وفي الحالة الراهنة، فإن قرار التعاقد مع شركة التدقيق يكون ملزماً للجميع، ولا سيّما الأشخاص المعنيّين بتطبيقه من أجل تمكين الشركة من القيام بمهمتها و«منهم طبعاً ومن دون أي شك حاكمية مصرف لبنان والأجهزة التابعة له أو المرتبطة به أو المنشأة لديه».

تنطلق فواز من المادة 25 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي تلزم من شاهد اعتداء على الأمن العام أو على حياة شخص أو على ماله، بإعلام المدعي العام، لتشير إلى أنه «لا يدخل ضمن نطاق السرية المصرفية ضبط مخالفات المصارف والجرائم المالية التي تُرتكب في إدارة الأموال من جانب المؤسسات المصرفية التي من ضمنها دون أدنى شك المصرف المركزي الذي هو مصرف القطاع العام، وإلا لكان المشرع قصد حماية الجرائم العادية التي يمكن أن ترتكبها المصارف في ممارستها تحت غطاء السرية وليس فقط الزبائن». أما بالنسبة إلى وجوب حفظ السرية المصرفية والمهنية، فتؤكد الاستشارة أنه يسقط أمام موجب الإبلاغ عن الجرائم، مستطردةً أن مخالفة السرية المصرفية لا تُشكّل في كل حال جرماً يُعاقب عليه القانون، إلا إذا تم إفشاء السرّ عن قصد «بنيّة الإضرار بالغير».

وفيما علمت «الأخبار» أن وزارة المالية حوّلت هذه الاستشارة إلى المصرف المركزي، فإن مصادر مطلعة تؤكد أنها لن تغيّر من سلوك سلامة، المستند أولاً وأخيراً إلى حصانة سياسية لا تزال تحميه من المساءلة، بما يذكّر بأن القرار السياسي وحده قادر على إيصال التدقيق إلى برّ الأمان.

وفي هذا السياق، تؤكد المصادر أن اتجاهاً من ثلاثة يُفترض أن يسلكه التدقيق الجنائي، بصرف النظر عن بقاء «ألفاريز» أو انسحابها:

إلزام سلامة من قبل حمايته السياسية بالالتزام بالاستشارة القانونية الصادرة عن هيئة الاستشارات، والتي تفرض التزام المصرف بالتصريح عن المعلومات لأي جهة تقررها الحكومة، علماً بأن خطوة كهذه يمكن أن تكون مرادفاً لرفع الغطاء عن سلامة.

التئام مجلس النواب لتفسير قانونَي النقد والتسليف والسرية المصرفية، وهو أمر يحتاج إلى موافقة الرئيس نبيه بري.

إقرار مجلس النواب لاقتراح القانون الذي يقترحه «تكتل لبنان القوي»، والذي يشير إلى إضافة فقرة جديدة للمادة الثانية من قانون سرية المصارف، تنص على عدم جواز التذرع بالسرية المصرفية وبالسرّ المهني في حال التكليف حسب الأصول بإجراء تدقيق محاسبيّ مركّز.

الاحتمال الثالث يبدو الأكثر ترجيحاً، لكنه يحمل في طياته صراعاً سياسياً لن تُعرف نتيجته بسهولة. فالعودة إلى مجلس النواب لا تتطلب الحصول على الأكثرية فقط. وفي ظل الحماية الثلاثية لسلامة (نبيه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط) لن تكون المعركة بسيطة، وخاصة أن رئاسة الجمهورية تضع التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، ولاحقاً في مختلف المؤسسات الحكومية، كواحدة من أولويات السنتين المتبقيتين من الولاية الرئاسية.

بعد التوقعات بانسحاب شركة «ألفاريز أند مارسال»، ذهب النقاش باتجاه تحميل المسؤوليات بالسياسة، فكانت الحصة الأكبر من نصيب من وقّع العقد، لا من لم ينفّذه. تحميل المسؤولية لوزارة المالية، يقود تلقائياً إلى تبرئة سلامة، والإيحاء بأن المشكلة ليست عند من تحايل على القانون لعدم تنفيذ طلبات شركة التدقيق، بل عند من «فخّخ» العقد بعبارة «التقيّد بالقوانين اللبنانية»، التي أكدت عليها هيئة الاستشارات والتشريع أيضاً.

لكن ذلك النقاش لا يلغي، بحسب مصادر معنية، حقيقة أن العقد هو خلاصة توافق رئيس الجمهورية ووزير المالية على ٩٩ في المئة من البنود. صحيح أن المرجعية السياسية لوزير المالية هي من الرعاة السياسيين لسلامة، إلا أنه بعد نجاح رئاسة الجمهورية بالدفع باتجاه إقرار مجلس الوزراء، في 28 تموز الماضي، التعاقد مع شركة «ألفاريز أند مارسال» تحديداً (تردد حينها أن وزير المالية كان يقترح اسم شركة Baker Tilly للتدقيق الجنائي)، لم يكن قد بقي سوى توقيع العقد. وقد استدعى الاتفاق على البنود النهائية عقد سلسلة اجتماعات بين وزير المالية ورئيس الجمهورية ومستشاريه.

وبالنتيجة وافق الطرفان على النص النهائي، بما في ذلك عدم الحاجة إلى المادة المتعلّقة بالسماح لشركة التدقيق بالوصول إلى نظام المعلوماتية لدى المصرف (اعتبر هذا الإجراء بمثابة إعطاء مبرر للمصرف للامتناع عن تسليم المعلومات بحجة السرية) ووجوب أن يكون العقد خاضعاً للقوانين اللبنانية. ما لم يلتزم به وزني هو اقتراح هيئة الاستشارات إدخال مجموعة «إيغمونت» في العقد. وبالرغم من أن رئاسة الجمهورية كانت تعتبر أن هذا الإجراء أساسي، انطلاقاً من أن المجموعة قادرة على إلزام هيئة التحقيق الخاصة بالتقيّد بالقواعد الإلزامية لعملها، إلا أن وزير المالية وجد (بحسب رسالته إلى هيئة الاستشارات) أن الأمر خارج عن تكليف مجلس الوزراء، الذي دعاه إلى التفاوض والتوقيع مع «ألفاريز».

المصدر: الأخبار


عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

أسعار المحروقات اليوم ↑↓

أسعار المحروقات في لبنان اليوم أو اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للمحروقات لحظة بلحظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *