خلال الأسابيع الماضية، من توّجه إلى أحد أقسام الطوارئ في مستشفيات لبنان أو من يعرف مرضى اضطروا إلى التوّجه إلى الطوارئ، سيكتشف أنّ الجملة الأكثر تردداً هي التالية: “لا يوجد لدينا غرف”. لا غرف في أقسام الطوارئ حتى للمرضى الذين لا يعانون من الإصابة بكورونا. والقدرة الاستيعابية بلغت أقصاها في كل المستشفيات تقريباً.
من هنا، يمكن فهم التحذير في عنوان هذا المقال: الإقفال التام أو الانهيار التام.
وكان رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي أكثر من طالب بهذا الإقفال، معتبراً أنّ “لبنان في حالة تفشٍّ مجتمعي والقطاع الصحي ليس بخير”، وذلك بعدما قارب مؤشر الإصابات ألفي حالة جديدة يومياً.
غير أنّ دعوة عراجي للإقفال التام لمدة أسبوعين، لم تلقَ استجابة، إذ اكتفت توصيات لجنة متابعة التدابير، والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا بمنع التجوّل بين التاسعة مساء والخامسة فجراً، وشمل العاصمة بيروت بخطة الإقفال وفقاً لمعايير إقفال الشوارع والأحياء والمجمّعات.
وفق عراجي، فإنّ “الإقفال وفقاً لمعايير إقفال الشوارع والأحياء والمجمّعات”، لا يجدي نفعاً، مضيفاً في حديث لـ “أساس”: “عزل مناطق وترك أخرى لم يُثبت أيّ فعالية، كما شهدنا ارتفاع في الإصابات خلال تطبيق هذا الإجراء. إذ لا يوجد التزام، ويتمّ الانتقال من المناطق المعزولة الأخرى غير معزولة. ببساطة لا التزام من قبل المواطنين ولا تطبيق للإجراءات من قبل الدولة”.
غير أنّ الخوف الكبير الذي يبديه عراجي هو على القطاع الصحي، فيقولها بصراحة: “أخاف من انهياره”، مستشهداً بنموذج فنزويلا، فـ “القطاع الصحي في فنزويلا كانت قد تعرّض لنكسة كبيرة قبل الكوفيد-19، حيث تسبّب الوضع الاقتصادي وارتفاع سعر صرف الدولار، بأزمة كبير في المستشفيات والصيدليات، ولم يعد يتوّفر لا مستلزمات طبية ولا أدوية”.
أما عن النماذج الصحية في إيطاليا وفرنسا وألمانيا، فيوضح عراجي أنه “منذ 7 أشهر، وأنا أرفع الصوت وأحذّر. ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الدول تتلقّى دعماً من الاتحاد الأوروبي. أما لبنان فمن سيدعمه ويمنع قطاعه الصحي من الانهيار؟”.
“نحن في لبنان تُركنا لمصيرنا”، هكذا يختصر عراجي المأساة الصحي، داعياً الناس إلى اتخاذ التدابير الوقائية وعدم الاعتماد على الدولة، بل يذهب نحو دعوتهم إلى “التصرّف كأنّها غير موجودة في هذا الملف”.
وبالعودة إلى ما يعانيه القطاع الصحّي، الذي يمثّل حالياً الهاجس الأوّل لعراجي، يوضح لموقعنا أنّ “أسرّة المستشفيات باتت مليئة بالمرضى، وقد قمنا فعلياً بزيادة أسرّة أقسام الكوفيد 19 في المستشفيات الخاصة بعد ضغوط، كما قمنا بتوسعة مستشفى رفيق الحريري وزيادة 10 أسرّة. ولكن هذا ليس كافياً. فالوضع وفق عدد الإصابات التي تسجّل يومياً ذاهب نحو الأسوأ”.
ولا يرى عراجي خياراً سوى الإقفال التام “ففي شهر تشرين الثاني يبدأ موسم البرد والأمراض. وهنا علينا أن نتحضّر للموجة الثانية من فيروس كورونا، وفي حال تزامنت هذه الموجة مع إصابات خطرة، فسنكون أمام أزمة حقيقية ولن تكفي الأسرّة. ولن نجد لا الدواء ولا المستلزمات الطبية”، مضيفاً: “المواطنون لا يخافون لا على الاقتصاد ولا على الصحة. ولا يوجد توازن. لذا، لا بدّ من الإقفال والتشدّد وفرض غرامات، كي لا نذهب إلى مأساة بشرية، وكي نحمي القطاع الصحي”.
عراجي غير متفائل، يقولها علناً، في ظلّ وجود أناس لا يصدّقون وجود الكورونا، ويعتبرون أنّها مؤامرة، مشيراً إلى أنّ “موسم الأعراس هذا العام بحسب المنظمين كان حافلاً، والتجمّعات في كلّ مكان، ولا التزام لا بالكمامة، ولا بالتباعد الاجتماعي”.
نقيب الأطباء شرف أبو شرف لم ينفِ من جهته خوفه على القطاع الصحي: “الخوف موجود. والسبب هو عدم التزام ما يقارب نسبته 20% – 30% من الناس بالتدابير الوقائية”، مضيفاً: “هناك استهتار بالوقاية يؤدّي إلى ارتفاع الأعداد”.
وفيما يطمئن أبو شرف إلى أنّ “أعداد الإصابات الخطرة والصعبة ما زالت قليلة”، يحذّر بالمقابل من أنّ أسرة الكورونا والعناية الفائقة في المستشفيات “مفوّلة”. ولا بدّ من الاحتياط لأنّ “الوضع ليس جيداً ولا قدرة استيعابية في أيّ من المستشفيات”.
ويطالب نقيب الأطباء بالإقفال التام خاصة قبل موسم الشتاء: “نحتاج إلى إغلاق تام كما حصل في بداية أزمة كورونا، إذ لا تجاوب ولا جدّية في التعاطي مع الفيروس من قبل المواطنين. وأثناء هذا الإغلاق، على الدولة تجهيز أماكن جديدة في المستشفيات الحكومية أو الخاصة. أو أخذ المستشفيات المتعثرة أو المغلقة وتجهيزها”.
ويتوقف أبو شرف عند مشكلة ثانية وهي “تحفيز الممرّضات والممرّضين والأطباء، فالقطاع الطبي يشهد هجرة كبيرة، وهذا الأمر يعود لأسباب عديدة أوّلها اقتصادي ومعيشي. لذلك لا بدّ من تحفيز العاملين في هذا القطاع كي يبقوا ولا يغادروا”.
نسرين مرعب – اساس