لا شيء تغير، قبل سنة قال الرئيس سعد الحريري أن استقالته كانت تلبية لمطلب اللبنانيين المنتفضين في الشارع رفضاً للفشل والفساد. اليوم وبعد سنة، ماذا لدى العائد رئيساً مكلّفاً ليَعِدَ به من لبَّى مطلبهم وهو بلا إنجازات وطنية “مسجلة باسمه سابقاً” تبعث على التفاؤل بشخصه، وماذا بمقدوره أن يقدم للبلد وهو بلا مؤهلات إضافية “مكتسبة حديثاً” تحيي الأمل بقرب الخلاص على يديه؟
مجريات عملية تأليف الحكومة، تؤشر إلى أن الحريري “المكلّف” يتصرف على أنه الأقوى بحكم الحاجة إليه كأمر واقع ميثاقي وسياسي وإنقاذي، متجاهلاً أنه، كما غيره من الأقوياء في طوائفهم، ليس الأقوى في لبنان، وقد ترجم ذلك عبر الإجازة لنفسه، في أسوأ مرحلة، بأن يكابر في الشروط ويماطل في الأداء.
أداء الحريري لا يخفي أنه يكابر في معرض المماطلة ويماطل في معرض المكابرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
عودة الحريري إلى طرح المداورة، بعد أن كلَّفه التراجع عنه تجرّع السم والتسليم بإعطاء وزارة المال للطائفة الشيعية، بعد اعتبار وتأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه كان خطأً ارتكبه الحريري عندما أضاف معياراً طائفياً، أي المداورة، في توزيع الوزارات وأنه لم يكن جزءاً من خارطة الطريق.
– علم الحريري أن المداورة مجرَّد مناقلة حقائب وزارية بين المذاهب، وأنها بلا مفعول إنقاذي وبلا مردود إصلاحي يعول على أي منهما عملياً.
– كسر الحريري “وحدة المعايير”، من خلال الاستثناء الشيعي، جعله يبدو وكأنه يتعمَّد منح القوى السياسية المشاركة ورقة تفاوضية رابحة وضامنة للتحكم بعملية التأليف وعبرها بشكل ومهمة الحكومة.
– تمسك الحريري بحكومة اختصاصيين مستقلين، رغم معرفته بأن أي حكومة تحتاج إلى ثقة مجلس نواب مرجعية غالبية أعضائه هي الأحزاب السياسية، ورغم تيقنه من أن المستقلين في لبنان ليسوا سوى “سمك بالبحر”، لن تكون إلا تكنوسياسية بالحد الأدنى.
نسيان الحريري، ربما، أن النظام الداخلي لمجلس الوزراء، الذي يفرض توزيع جدول الأعمال على أعضائه قبل أسبوع على الأقل من تاريخ مناقشة مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية، وقبل يومين على الأقل من تاريخ مناقشة سائر المواضيع، سيمكِّن الأحزاب، التي سمَّت وزراءها، من التدخل عن بُعد وبشكل مسبق في كل شاردة وواردة وقرار، وبهذا ستكون الحكومة سياسية بالمطلق، أياً كانت تسميتها المخادعة.
بعد تجربة “رفاق السلطة” مع “الرفيق السابق” سعد الحريري خلال سنة الانتفاضة الأولى، بات من شبه المستحيل أن يسمح له الرفاق بتحقيق ولو إنجاز واحد على حسابهم، شكلياً كان أم وهمياً.
هل ورَّط الحريري نفسه أم يريد أن يصل بالأمور إلى حافة ما؟
المصدر: الحدث نيوز