يستند الرئيس المكلّف في تشكيل حكومته على عنوانٍ من كلمتين، يكمن فيهما النجاح أو الفشل: «حكومة مهمّة». فهل سيواجه سعد الحريري نصف نجاح ونصف فشل، حيث يتمكّن من تحقيق نصف العنوان، يؤلّف «الحكومة»، ويعجز عن تنفيذ «المهمّة»؟
تترافق عملية تشكيل الحكومة العتيدة التي يتولاّها الرئيس المكلّف سعد الحريري مع تطورات وايحاءات ومؤشرات متناقضة. منذ اللحظة الاولى التي طرح فيها الرجل مسألة تولّيه رئاسة «حكومة المهمّة» لفترة 6 أشهر، لتنفيذ الورقة الاصلاحية الفرنسية، والتي تُعتبر بمثابة تمهيد لعملية الانقاذ المالي والاقتصادي الشاملة التي تأتي في فترة لاحقة، سجّل المراقبون تغييراً في سوق سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ومع استمرار تراجع سعر الدولار، الى مستويات منخفضة نسبياً قياساً بالسعر الذي بلغه قبل «المبادرة»، تعدّدت التفسيرات لهذه الظاهرة. البعض اعتبر انّها عفوية، وجاءت نتيجة الارتياح النفسي الذي أدّى الى تراجع الطلب على العملة الخضراء، البعض الآخر اعتبرها مصطنعة، وان هناك من ضخّ دولارات اضافية في سوق ضيّق لخفض سعر الدولار، ومنح الحريري ورقة قوة في يده، خلال التكليف والتأليف. وآخرون ذهبوا الى اعتبار انّها لعبة وسخة، استفاد فيها المضاربون من العملية الحكومية، واختبأوا وراءها لخفض سعر الدولار للتمكّن من شراء كميات من العملة الخضراء بسعرٍ منخفض، ومن ثم بيعها لاحقاً بأسعار مرتفعة، عندما يعود السوق الى وضعه الحقيقي في الايام القليلة المقبلة…
بصرف النظر عن الجدل في شأن هذه النظريات، لا بدّ من لفت الانتباه الى أمرين:
اولاً- ترافقت مبادرة الحريري مع قرار مصرف لبنان تشديد القيود على سحب النقد الوطني من صناديقه، الأمر الذي أدّى الى شح في الليرات، وتراجع الطلب على الدولار بسبب هذا الشح. وهنا أيضاً، هناك من يؤمن بعامل الصدفة في هذا التزامن، وهناك من يطرح نظرية المؤامرة.
ثانياً- انّ مستوى الانخفاض الذي سجّله سعر صرف الدولار لا يُبنى عليه كثيراً، لأنّ مسألة الارتفاع والهبوط ضمن هامش يحدّده المنحنى (curve) في الرسم البياني لتطوّر سعر الصرف في الشهرين الماضيين، يسمح بالاعتقاد ان هذا الهامش المتحرّك يصل الى 2000 ليرة للدولار الواحد بين الصعود والهبوط. وبالتالي، ورغم وسْعِ هذا الفارق، لا يمكن التعويل على أي هبوط أو ارتفاع مفاجئ لا يتجاوز هذا السقف للحديث عن سعر جديد وشبه ثابت للدولار على الليرة. وبالتالي، الأمور في سوق الصرف الضيّق على حالها، ولا يمكن البناء على الارقام التي سجّلها الرسم البياني حالياً للتفاؤل أو التشاؤم.
الرهان الحقيقي يستند الى امكانات النجاح أو الفشل في تحقيق «المهمّة» التي تعهّد الحريري تنفيذها مع حكومته العتيدة في حال نجاحه في التأليف. هذه المهمّة التي تستند الى الورقة الفرنسية، والتي يُفترض أن تُنفّذ في غضون 6 أشهر تدور حولها علامات الاستفهام.
من المعروف انّ البنود الواردة في الورقة الفرنسية تعتمد في عنوانها العريض على خطة انقاذ شاملة، ينبغي ان يتمّ التوافق عليها لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ومن المعروف ايضاً، انّ كل البنود الاخرى في الورقة تنطوي على تفاصيل، بحيث ان تنفيذها ليس معقّداً، ويكفي اتّباع التعليمات الواردة (mode d’emploie)، بعكس خطة الانقاذ، والتي تكتفي الورقة الفرنسية بإيراد عنوان عريض لها، في حين انّ الجميع يعرفون انّ المشكلة هنا تكمن في التفاصيل، وليست في المبدأ.
في اشكالية خطة الانقاذ، وهي أساس النجاح أو الفشل، توجد أكثر من نقطة قد تُفجّر الخطة، وتمنع عملية الوصول الى تفاهم حولها. وقبل مناقشة الاعتراضات الداخلية التي تحول دون صياغة خطة تحظى بالتوافق، لا بدّ من مناقشة التناقضات بين الفريق اللبناني الذي سيقوده الحريري لصياغة خطة جديدة، وبين الاليزيه الذي رسم في السابق مبادئ عامة لا تتماهى مع قناعات الحريري، وقناعات قسم من القطاع المالي والاقتصادي اللبناني، وعلى رأسه المصارف.
وبالتالي، سيكون السؤال كيف ستتمّ معالجة هذه الاشكالية التي فجّرتها شركة «لازارد» من خلال الخطة السابقة التي تبنتها حكومة حسان دياب، وواجهت معارضة من المصرف المركزي ومن المصارف اللبنانية، ومن ثم من المجلس النيابي ممثلاً بلجنة المال والموازنة،
التي دخلت على الخط وأنجزت عملاً لا يُستهان به؟ وما يلفت الانتباه، انّ الرئيس الفرنسي،
لا يزال يشدّد في بعض مواقفه على نقاط تلتقي والفلسفة التي اعتمدتها «لازارد» في «خطة التعافي».
الى جانب هذه المواجهة أو المعضلة التي تحتاج الى حلول، ستبرز أزمة أكثر خطورة على مستوى المعارضة في الداخل. وبعدما كانت بعض الأطراف، وعلى رأسها «حزب الله»، أوحت في عهد حكومة دياب انها تخلّت عن تحفظاتها التاريخية حيال «شروط» صندوق النقد الدولي، برزت في الآونة الأخيرة مواقف غير مُطمئنة، أهمها ما ورد على لسان أمين عام «حزب الله» لجهة رفض بعض ما قد يقترحه صندوق النقد للموافقة على تمويل خطة انقاذ للاقتصاد اللبناني.