كتب منير الربيع في “المدن”: إنها من المرّات القليلة التي يصدر عن القصر الجمهوري بيانان تفصل بينهما ساعات قليلة، لنفي معلومات متداولة عن الاجتماع الذي عقد بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. صدر البيانان ردّاً على الكثير من المعلومات المسرّبة حول فحوى الاجتماع، وبعد الحديث عن تطورات وأجواء إيجابية لتشكيل الحكومة، والاتفاق على شكلها، حجمها وتوزيع حقائبها الوزارية.
بين باسيل وبعبدا
لم يوضح البيانان بدقة المعلومات “المنفية” أو “الكاذبة”، على ما وصفت فيهما. وهذا على الرغم من أن ما سرّب كان في سياق الضخ الإعلامي الإيجابي، وتوقع قرب ولادة الحكومة، نظراً للتسهيلات والتوافقات.
ومن غير المعروف ما إذا كانت دوائر قصر بعبدا تريد نفي هذه الأجواء الإيجابية، معتبرة أن الطريق لا تزال في بدايتها، ولم يجرِ التداول بغير الإطار العام حتى الآن.
ومن غير المعروف أيضاً ما إذا كانت المعلومات المنفية، تلك التي تتحدث عن حسم وزارة المال للثنائي الشيعي. وبالتالي استثناءها من مبدأ المداورة الذي سيطبق على الوزارات الأخرى.
قبل تكليف الحريري، وفي رسالته التي وجهها رئيس الجمهورية إلى اللبنانيين، كان واضحاً أنه وضع نفسه موضع المعرقل لمسعى الحريري في تشكيل الحكومة. ولكن بعد تكليف الحريري، بدأ التيار العوني يعمل على تقديم إشارات إيجابية، من خلال موقف رئيس التيار جبران باسيل، ومشاركته في الاستشارات غير الملزمة، وكلامه الإيجابي بعد اللقاء.
غيّرت مواقف باسيل الصورة التي كانت شائعة عن التيار وموقفه، فقدمت صورة مسّهلة، على الرغم من تشبثه بالكثير من الشروط. وربما يشير بيانا القصر الجمهوري، إلى أن الرئاسة لا تريد للأجواء الإيجابية الطاغية على تشكيل الحكومة، أن تُحرِج الرئاسة في حال العرقلة ورمي كرة التعطيل في ملعبها.
وبمعنى أوضح، لا تريد رئاسة الجمهورية أن يكون الحريري هو صاحب الأجواء الإيجابية والمعطيات المسهّلة لولادة الحكومة، فيما تُحال العقبات والاعتراضات والشروط والتعطيل إلى رئيس الجمهورية.
الراعي وعون المسيحي
واستناداً إلى التجارب السابقة، غالباً ما كانت الأجواء الإيجابية والتفاؤلية تصطدم بالوقائع السياسية والسقوف المرتفعة. وهذه من طبائع عون وباسيل في مفاوضات تشكيل الحكومات.
وبما أن عون أخذ على عاتقه أن يكون المفاوض في عملية التشكيل – وهذا ما أراده الحريري أيضاً عندما ركز على عدم تدخل أي طرف لا علاقة دستورية له في تشكيل الحكومة، قاصداً باسيل بذلك – سيدعي عون أنه ممثل المسيحيين في عملية التفاوض. وهذا ما ستوضحه مطالبته بتسمية غالبية الوزراء المسيحيين، وحرصه على تمثيل القوى المختلفة من خلال تشديده على توسيع حجم الحكومة إلى 20 وزير.
ولم يسلّم عون بتثبيت وزارة المال للثنائي الشيعي. وهو يعلم أنه غير قادر على تغيير هذه الوجهة. لكنه لا بد من أن يستند إلى موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي دعا الحريري إلى عدم عقد اتفاقات ثنائية، وعدم إدارة ظهره للمسيحيين، مصراً على مبدأ المداورة الشاملة.
لكن المداورة أصبحت مستبعدة، بسبب تمسك الثنائي الشيعي بوزارتي المال والصحة. وهذا يدفع رئيس الجمهورية إلى التمسك بحقائب يعتبرها تياره أساسية، في مقابل إصراره على التفاوض على حقائب أخرى، كوزارة الداخلية مثلاً.
براغماتية باسيل
وفق هذه المعطيات، لا بد من تسجيل الموقف البراغماتي لباسيل بعد تكليف الحريري. وهو الذي ينظر إلى الوقائع بأنها عودة إلى ما قبل 17 تشرين، ويرى أن المبادرة الفرنسية أُفرغت من مضامينها وتفاصيلها وجوهرها، يمكنه أيضاً تفريغ مبادرة الحريري من شروطها. وهذا بإعادة إحياء منطق التحاصص، أو بعدم ترك الحريري مرتاحاً في انطلاقته الجديدة. فيما هو، أي باسيل، خارج الصورة والمعطى والتأثير.
وهو المدرك أنه غير قادر على أن يكون وزيراً، يريد أن يكون أحد المؤثرين داخل الحكومة، باختياره الوزراء والحقائب.