من النادر ان تخضع العلاقات السياسية في لبنان لحالة من الاستقرار الدائم او شبه الدائم، او المبنية على برنامج واضح سياسي واقتصادي ومعيشي واجتماعي يتم الالتزام به والسعي لتطبيقه. فالخلافات تعصف كل فترة بين القوى السياسية الحليفة، ولأسباب مصلحية بحتة، مع ان معظم الاطراف السياسية “دافنينوا سوا”، وتعرف خلفيات وتوجهات ومصالح بعضها، فتختلف متى تضاربت هذه المصالح، وتتفق سريعاً ولوعلى موضوع محدد متى تلاقت المصالح ولو لفترة زمنية محددة.
هكذا هو الحال بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والقوات اللبنانية وحركة امل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة وبعض الحلفاء لكل طرف. والملاحظ حسبما يقول مرجع سياسي كبير ان “الكل دافنينو سوا”، يعني كل الاطراف ساهمت وشاركت في الحكم منذ اتفاق الطائف، وفي كل الاجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة والادارات الرسمية الاخرى، ولو بنسب مختلفة ومتفاوتة، وهي تتنصل الان من مسؤولياتها.
تكليف الرئيس سعد الحريري امس بتشكيل الحكومة، يعكس هذه السياسة التي تحمل المتناقضات، فلا نعرف مَنْ تَحالفَ مع مَنْ ولماذا؟ برغم الخلافات التي كانت وربما مازالت تعصف بينهم. قد يكون المبرر الوحيد هو الخروج من الأزمة الخانقة التي رفعت صوت المواطنين المحتجين في الشوارع بوجه هذه القوى السياسية، فإتفقت هذه القوى على محاولة إنقاذية اخيرة، لكن “مين جَرّب المجرّب كان عقله مخرب”.
وضع الرئيس ميشال عون في كلمته امس الاول، الرئيس الحريري والكتل النيابية امام مسؤولياتها، وهو حسب مصادر مطلعة على موقفه، لم يعد يملك ما يقدمه اكثر من النصيحة والتوجيه وتسجيل الموقف وتحديد الاولويات. وبناء عليه سيتم تحديد موقف الرئيس من التشكيلة الحكومية حسب برنامجها وأولوياتها والخطوات التنفيذية لكل ذلك. ويبدو ان الرئيس عون يملك الورقة المؤثرة الاخيرة والوحيدة التي تُمكّنهُ من تنفيذ ما يريده وهي ورقة تشكيل الحكومة، فإما يوافق عليها إن رأى أن اعضاءها متمكّنون من تنفيذ ما يجب تنفيذه بسرعة، وإما يرفضها.
من هنا ترى مصادر متابعة، انه بات من الاولى للحريري والكتل النيابية ان تسير ببرنامج الاصلاح فعلياً، وإلاّ ستتوقف عجلة الدولة اسابيع إن لم يكن اشهراً، ويُترك لبنان وحيداً لمصيره.
المصدر: ليبانون فايلز