حتّى الساعة، ما زالت الاستشارات النيابية قائمة. هناك سلسلة ضغوطات تُمارس من أجل منع تأجيلها، جزء منها يأتي من الخارج وآخر مصدره الداخل الذي يعمل على محاولة عدم تضييع فرصة تكليف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري… وللتأليف حديث آخر!
كان رئيس الجمهورية ميشال عون يمنّي النفس في “عودة مظفّرة” للواء عباس إبراهيم من رحلته الخارجية المدشّنة بزيارات من الطراز الرفيع ليقيس على نتائجها، لكن “كورونا اللواء” صدمت الجميع وجمّدت “حركة الأوكسيجين” في أجسادهم.
لم ينجح دخول رجل الاعمال علاء الخواجة على خط الحريري – باسيل في تليين مواقف أي منهما، لذا اتخذ قراره بالانسحاب من وساطته. قبل ذلك، لم يكن اي فريق سياسي في وارد الدخول بين “البصلة وقشرتها”، حتّى عين التينة لم يسجل لها اي دخول على مستوى تليين المواقف بين الجانبين. الأمر ذاته ينسحب على الشق الباقي من الثنائية الشيعية المتمثلة بحزب الله.
الخيارات بالنسبة إلى القصر الجمهوري مع دخول القوات اللبنانية على خط تأمين الميثاقية المسيحية في الاستشارات النيابية الملزمة باتت ضيقة، والتوجه الحالي يقوم على محاولة تأمين تفاهمات ربع الساعة الاخيرة مع الحريري لتأمين دخول متجانس في الاستشارات.
أكثر من مصدر يواكب الاتصالات السياسية، يؤكد لـ”ليبانون ديبايت” توافر أجواء مؤاتية لدى القصر في إستقبال الحريري قبل موعد الاستشارات للتفاهم على عدد من النقاط. هذا يجعل الحريري عملياً رئيساً مكلفاً حتى قبل موعد الاستشارات. الحريري يشترط التسمية للبدء بتنشيط محركاته السياسية. الأمر الوحيد الذي قد يؤخّر الاستشارات هو سقوط الوساطة الجارية على خط بعبدا – بيت الوسط. مع ذلك، يحتاج القصر الجمهوري لاتخاذ مثل هذا القرار إلى ذريعة “ثقيلة”!
خطوة القصر يقابلها “قبة باط” من التيار الوطني الحر، الذي انتقل في الساعات الماضية من محاولة “تبشيم الاستشارات”، إلى تسريب أجواء حول معارضته دخول الحكومة على الشكل الذي تُطرح فيه، وهذا يقود إلى فكرة واحدة: تسليم ميرنا الشالوحي بتسمية الحريري رئيساً مكلفاً.
مبدئياً، تحاول قيادة التيار الوطني الحر تصحيح الالتباس الذي قام على ضفة رفض الحريري ونقل الأسباب من شخصية إلى سياسية. عملياً، هذا يقود إلى إنضاج فكرة قوامها أن تأمين ظروف عودة الحريري تحتاج إلى تأمين ظروف تفاهم سياسي “محدود” بين الجانبين، لكن ذلك متعذر الآن لأسباب عدّة من بينها السقوف العالية بين الجانبين. هذا ينقلنا إلى مرحلة التأليف التي ستكون محمّلة.. بالأثقال والألغام!
انطلاقاً من هنا، يعمل القصر الجمهوري على تولّي هذا الدور، ومحاولة عقد اتفاق “بالتراضي” مع الحريري يجنّب التيار الوطني الحرّ الاحراج وينزله عن شجرة رفضه. هذا لا يعني ان يسمي “التيار” الحريري او يبادر إلى طرح اسماء للمشاركة في حكومة “إختصاصيين” يطرحها رئيس تيار المستقبل ولا يوافق عليها البرتقالي، إنطلاقاً من قاعدة أن رئيسها سياسي لا إختصاصي، بل عملياً، هذا الدور يؤهّل رئاسة الجمهورية لتولّيه، أي في تسمية ممثّليها من المسيحيين للمشاركة في حكومة من هذا النوع.
بالاستناد إلى التجارب، لن يكون “التيار” بعيداً عن اجواء التسميات او هويات المقترحين، بدليل أن حكومة حسان دياب أفصحت عن وجود “بصمات” لباسيل في اختيار وزراء الرئاسة المسيحيين. ما انسحب على دياب يفترض ان ينسحب ايضاً على الحريري ولو باختلاف الأجواء والظروف، فالقاعدة بالنسبة إلى الرئاسة كما “التيار” ثابتة لا تتحرّك!
في المقابل، تجد مصادر مطلعة على موقف تيار المستقبل إمكانية لحدوث ذلك. هي في الأصل لا ترى مانعاً في تأمين اي مخرج ما دام ان تكليف الحريري أمر منجز والباقي تفاصيل. وإنطلاقاً من واقعية اللحظة السياسية، ترى ان الجميع محكومين، بمن فيهم التيار، بالواقعية ذاتها، على اعتبار ان الحريري سيلتقي جميع النواب غداة تكليفه ومن بينهم نواب “لبنان القوي”. إذاً لا قطيعة ثابتة.
في الواقع، غدت تسمية الحريري لا مناص منها، والموافقة العونية – الباسيلية تحصيل حاصل، لكن ما يجري على عتبة التكليف ليس سوى تعزيز للشروط في الأمتار الاخيرة من السباق، وحكماً لن يقبل سواء التيار أو الرئاسة على تجاوزهما في تسمية الوزراء المسيحيين في الحكومة، إذاً سيكون لهما موقفاً. على الأرجح ستتولى الرئاسة تظهيره بالتنسيق مع “التيار”.
بالتزامن مع ذلك لحزب الله دور ايضاً. صحيح أن خلافه مع “ثنائية الرئاسة – التيار” في ما له صلة بتعيين الوفد الموكل أعمال التفاوض غير المباشر مع العدو عميق، لكنه لن يدع ذلك يؤثر على موقفه السياسي من الحكومة. الحزب يفصل بين المسارات، وما ينسحب على التيار ينسحب عليه مبدئياً، أي لا تسمية للحريري ولا مشاركة في الحكومة من دون “التيار”. هذا الواقع ينقلنا إلى شيء أكبر، إلى حكومة “تكنو-سياسية” مظللة بإختصاصيين.