كتبت عزّة الحاج حسن في “المدن”:
البلبلة التي أحدثتها المصارف مؤخراً، بسبب اتخاذها قراراً بخفض سقوف السحوبات النقدية بالليرة، لم تنته، وإن عادت المصارف وأعلنت لاحقاً تراجعها عن القرار وإعادة سقوف السحوبات النقدية إلى ما كانت عليه سابقاً، إن لجهة السحوبات بالليرة أو من الحسابات الدولارية وفق سعر المنصة الإلكترونية لمصرف لبنان (3900 ليرة للدولار).
وبإعلان المصارف إبقاء سقوف السحوبات النقدية على حالها، ظن البعض أن الأمور عادت إلى ما كانت عليه، غير أن الأزمة لا تزال على تعقيداتها. وآخر مستجداتها دخول الليرة اللبنانية السوق السوداء من باب تجارة الشيكات. فتطمينات المصارف لا تلغي استمرار تعميم مصرف لبنان القاضي بالفرض على الشركات المستوردة سداد المبالغ المتوجبة عليها بالليرة اللبنانية نقداً، وليس بموجب شيكات مصرفية أو حوالات.
وعليه، فإن استمرار هذا الإجراء دفع بالعديد من الشركات والمؤسسات ومحطات المحروقات إلى تعليق قبول البطاقات المصرفية، والإشتراط على المستهلكين الدفع نقداً فقط. ومن بين تلك المؤسسات سوبر ماركت سبينس spinneys ومحطات محروقات وغيرها من المؤسسات.
هذا الإجراء وان كان يستهدف من حيث المبدأ لجم التجار عن تهريب البضائع المستوردة، المدعومة من قبل مصرف لبنان، إلا أنه استحدث سوقاً سوداء لليرة اللبنانية على غرار سوق الدولار.
فالتجار المُلزمون بتأمين ثمن البضائع بالليرة نقداً، لجأوا إلى عدم قبول البطاقات المصرفية من المستهلكين، وحصر التعاملات بالليرة نقداً (أي الكاش)، وهو ما فتح الباب أمام تجار السوق السوداء، الذين عمدوا إلى شراء شيكات مصرفية محرّرة بالليرة، مقابل مبالغ من الليرة نقداً تقل عن قيمة الشيك.
تجارة ليرة
وكما أدت أزمة شح الدولار وحجر المصارف على الودائع الدولارية، إلى احتساب الدولار النقدي (بداية الأزمة) دولاراً وربع الدولار دفتري، أو ما بات يُعرف اليوم بالدولار المحلي أو lollar.
وأدت حالياً إلى وصول قيمة كل دولار دفتري (أو دولار محلي) إلى ما لا يزيد عن 30 في المئة من قيمته من الدولار النقدي (الكاش)، بمعنى أن كل دولار في المصرف بات اليوم يساوي 30 سنتاً فقط نقداً.
هذه الصورة بدأت فعلياً تنتقل إلى سوق الليرة اللبنانية. فتجار العملات في السوق السوداء ينشطون اليوم على خط شراء شيكات مصرفية محرّرة بالليرة اللبنانية مقابل ليرة نقدية (كاش) تقل قيمتها عن الليرة المصرفية (أو ما بات يُعرف بالـBira) بنسبة تتراوح بين 10 إلى 25 في المئة، بمعنى أن كل ليرة حقيقية اليوم باتت تساوي نحو 1.25 ليرة مصرفية.
وعليه، بات تجار السوق السوداء يمدّون بالسيولة المستوردين الباحثين عن المال النقدي، لتأمين استيراد البضائع تماشياً مع شروط مصرف لبنان.
وقف البطاقات المصرفية
أما التجار الرافضين لشراء الليرة نقداً مقابل بيع شيكات محرّرة بالليرة، مع ترتيب خسارة عليهم، فعمدوا إلى رفض البطاقات المصرفية من المستهلكين لسداد قيمة مشترياتهم.
وهو أمر أكده رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، هاني بحصلي، في حديث إلى “المدن”. فالمستوردون مُلزمون بسداد قيمة بضائعهم نقداً بالليرة.
لذلك، يلجأون إلى تقاضي ثمن البضائع من المستهلكين بالكاش حصراً، ووقف العمل بالبطاقات المصرفية، على غرار ما أعلنت عنه العديد من المؤسسات ومحطات المحروقات: “فمن غير المقبول أن نخسر من أموالنا لتأمين مبالغ نقداً للإستيراد.
فالتوقف عن الإستيراد والإقفال يبقى أقل سوءاً من بيع أرصدتنا المصرفية بأقل من قيمتها” على ما يقول بحصلي. كما أن قطاع السوبرماركت في لبنان بأكمله قد يضطر إلى وقف الدفع عبر البطاقات المصرفية ليتمكن من الحصول على السيولة اللازمة للشراء من التجّار.
وعلى الرغم من نفي المصارف خفض السحوبات النقدية بالليرة اللبنانية، وإصرار مصدر مصرفي في حديث إلى “المدن”، على تبرير ما حصل بأنه مجرّد عملية حسابية تربط المصارف بمصرف لبنان “ولا ترتبط بأي شكل بالمواطن”، غير أن ذلك لم يمنع دخول الليرة اللبنانية في السوق السوداء، من باب تسييل أرصدة الحسابات المصرفية بالليرة، بعد فرض مصرف لبنان السداد نقداً، ورفضه الشيكات والحوالات المصرفية.
المصدر: المدن