يتطلع لبنانيون كثر في الذكرى السنوية الاولى لانتفاضة 17 تشرين، إلى 17 تشرين جديد يجسد العنفوان الوطني الحقيقي لشعب لا يزال سياسيوه يغردون خارج سرب مصلحة البلد، رغم الأزمات كافة التي يتخبط بها، فالمناكفات السياسية والمصالح الشخصية والحزبية اخفقت ثورة 17 تشرين في وضع حد لها، فالطبقة السياسية مستمرة في سياساتها غير آبهة بتحركات الشارع، فلها شارعها الذي تحركه ساعة تشاء ووفق معطياتها، لبث الرعب في نفوس المواطنين والانسحاب من الساحات، والحوادث كثيرة في هذا السياق خلال عام.
قد تكون صورة بيروت اليوم وتحديدا في ساحة العازارية، اشبه باحتفال بمناسبة معينة، في حين أن العيون مشدودة تجاه ما بعد 17 تشرين، فهل سيعاد تزخيم الثورة لتحقيق الغايات المنشودة لشعب يئن من الفقر والجوع والعوز؟ وهل ستلجأ الثورة بمجموعاتها إلى تنظيم نفسها بشكل يجعلها تواجه السلطة الممسكة بخيوط الحكم وتتحكم به عن سابق إصرار وتصميم؟ هل ستضع مجموعاتها برنامجاً سياسياً اقتصادياً واضحاً، وتطور نفسها إلى معارضة سياسية، لا سيما أنها في خضم انفجار 4 آب وما سبقه وما تلاه من أوضاع معيشية تتصل بسعر الصرف والسحوبات ورفع الدعم تكاد تكون الغائب الاول عن المشهد؛؟ فهي اليوم وفق المتابعين لا تستطيع الخروج من عنق الزجاجة الذي ترقد فيه، والخلافات بين ميادينها أعقد مما يتصوره البعض، بدليل أن هذه الانتفاضة التي هزت في أشهرها الأولى عروش رؤساء أحزاب وكتل، سرعان ما تراجعت في أدائها؛ وإن كان البعض يظن أن تراجعها جاء لأسباب سياسية، على قاعدة ان منظماتها الاساسية، لها ارتباطات خارجية وداخلية.
تجاوز حواجز الطائفية
ومع ذلك، فإن الأكيد وفق ما يؤكد الناشط السياسي والاستاذ الجامعي مارك ضو لـ”لبنان24″، أن الثورة أنجزت مساحة وطنية انتسب لها مئات الآلف من اللبنانيين الذين تجاوزوا حواجز الطائفية والمناطقية، هذا فضلا عن أنها كسرت هيبة كل السياسيين الممسكين بالسلطة فاصبح نقدهم ومعارضتهم وفضح ملفاتهم ظاهرة مقبولة من الرأي العام مما رفع من مستوى الاعتراض الشعبي والجرأة الاعلامية، كما أنها ادخلت عشرات الالاف في تنظيمات سياسية بدأت تتطور تدريجيا لكي تصبح احزاب المستقبل وسرعان ما ستكسب قواعد شعبية وقدرة على المنافسة على مراكز الدولة كافة، من دون أن يخفي ضو أن نقاط الضعف او التقصير الاكبر، مرده كان عدم الانتظام بشكل فعال، مما أفقد الشارع الكثير من الزخم، وعدم الالتفاف حول مواقف موحدة من قضايا أساسية مثل الموقف من سلاح “حزب الله”، ودستور الطائف، والنظام الاقتصادي، والعلاقات الدولية.
ومع ذلك قد يجادل البعض، وفق العميد المتقاعد اندريه ابو معشر لـ”لبنان 24″ أن الثورة فشلت في تشكيل مجلس قيادي يستطيع رسم خارطة طريق لتحقيق التغيير المنشود او تراجع قدرة الثوار على ادامة الحشد الجماهيري في التحركات المطلبية أو حتى أن الثورة لم تستطع لغاية تاريخه أن تنجز الأهداف التي رفعتها عند انطلاقتها: من تشكيل حكومة انقاذ وطني من مستقلين أكفاء وبصلاحيات استثنائية قادرة على استرداد الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين؛ استقلالية القضاء؛ واجراء انتخابات نيابية مبكرة.. بيد أن هذه المقاربة لتقييم إنجازات الثورة او اخفاقاتها لا تأخذ بعين الاعتبار ان ثورة 17 تشرين هي ثورة سلمية بيضاء، ولم تكن تهدف يوماً لاستخدام العنف الممنهج لإسقاط النظام على أن يلي ذلك تشكيل مجلس انتقالي مع إقامة مؤتمر تأسيسي للجمهورية الثالثة. وبالتالي فان الثورة ارتضت ان يكون كل تغيير منشود متوافقا مع الآليات الديمقراطية ووفقا لما هو منصوص عليه في الدستور. لذلك فان كل تأخير أو فشل في تحقيق التغيير الديمقراطي اليوم مرده إلى فشل السلطة والغالبية النيابية الحاكمة في تحقيق التغيير.
في المقابل استطاعت ثورة 17 تشرين، بحسب ابو معشر ان تدفع لما هو أبعد بكثير من الأهداف التي رفعتها لنفسها، فهي استطاعت تظهير أزمة النظام اللبناني ومدى صالحية دستور الطائف وقدرته على اجتراح الحلول للعيوب الدستورية الكامنة فيه. كما ساهمت الثورة في تعزيز فرص استعادة الدولة المدنية وتدفع اليوم باتجاه تبني مفهوم الحياد وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها. ففي غياب الشفافية وفشل آليات المسائلة والمحاسبة الديمقراطية وتعذر السلطة القضائية على ممارسة دورها في فرض حكم القانون، تجنح الأنظمة الديمقراطية نحو الفشل وكلما تفاقم هذا الامر يصبح الكيان برمته مهددا بوجوديته.
نضال طويل
وعليه، فإن 17تشرين نتاج نضالي طويل منذ الانطلاقة الثورية الأولى عام 2011 حينما أرادت المنظومة السياسية ضرب الشرائع الدستورية والتمديد لمجلس النواب فجوبهت بحملة رفض التمديد وعمت التظاهرات في الشارع …..ولكن اللحظة الثورية لم تكن قد نضجت بعد ، فكانت ثورة النفايات عام 2015 التي فجرت الشارع مجددا بوجه منظومة الفساد إلى أن وصلنا 17تشرين 2019 حيث سقط الهيكل السياسي والاقتصادي وانكشف فساد المنظومة وهشاشة النظام …. يؤكد الناشط السياسي في ثورة 17تشرين محمدعبد الله لـ”لبنان24″ ففي تلك المراحل الثورية الثلاث كانت اتهامات السلطة جاهزة لاعتبار الناشطين عملاء سفارات فيما اجتمعت المنظومة بقواها كافة في سفارة مقدمة الطاعة للارتهان الخارجي حتى تضمن كراسيها في السلطة .
اذا التحديات تتفاقم وتتضارب الرؤى الشعبية والسياسية حيال اي لبنان نريد… فالاسئلة كثيرة في هذا الشأن والاجابة عليها حساسة في الوقت عينه في ظل ما يحكى في الوائر السياسية عن تقسيم من هنا وتقسيم من هناك( لامركزية مالية – فيدرالية….) من هنا، يقول أبو معشر التحدي الملقى على عاتق الثورة اليوم، يكمن في ضرورة ان ان تستعد الثورة للانتخابات النيابية المقبلة وتنتصر على نفسها وتتوحد، وان لا تقف عند حدود الاهداف التي رسمتها لنفسها عند انطلاقتها لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة والانتخابات النيابية، لا بل عليها ان تسارع في المساهمة الفعلية في الإنقاذ الوطني وقيام دولة القانون والمؤسسات، والدولة المدنية ذات السيادة التامة على كامل أراضيها وثرواتها وحدودها البرية والبحرية والجوية.
من هنا فإن العمل وفق مارك ضو من جهته، سينصب ما بعد 17 تشرين 2020، التركيز على اطلاق جبهات سياسية تقدم برامج عمل مشتركة بهدف ان تتحول الثورة من حالة اعتراض شعبي إلى معارضة سياسية قادرة على مقارعة السلطة على الصعد كافة السياسية والنقابية والطلابية وكذلك في العلاقات الدولية.
واعلن الناشط السياسي في ثورة 17تشرين محمد عبدالله بدوره لـ”لبنان24 أن العمل جار على أكثر من جبهة لتشكيل مجالس ثورية في مختلف المناطق وتنظيم العمل والرؤية السياسية والاقتصادية ضمن إطار جبهة 17تشرين، مع التركيز على تشكيل حكومة من اشخاص من اصحاب الضمير الوطني الحر تستطيع مواكبة المرحلة المقبلة والصمود امام مخاطرها وان تكون مستقلة عن السلطة واحزابها تماماً وتعطى صلاحيات استثنائية تشريعية مهمتها اولا : القيام بتدابير اقتصادية لانتشال البلد من الافلاس وذلك دون المساس بحقوق المواطنين .
ثانيا: اجراء تحقيق شفاف بقضية تفجير المرفأ من احضر المواد ومن خزنها ومن علم بوجودها وصمت وكل من له علاقة من قريب او بعيد وأعلان نتيجة التحقيق للرأي العام بكل شفافية .
ثالثاً : تحقيق استقلالية القضاء بموجب القوانين المطروحة بمجلس النواب والتوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية ليحاسب عندها القضاء كل الفاسدين ويستعيد الاموال المنهوبة
رابعاً : اقرار قانون انتخاب جديد وفق مبادئ الدستور واجراء انتخابات نيابية مبكرة لاعادة تكوين السلطة .
خامساً : الاعلان ان القوات المسلحة الشرعية هي التي تحتكر القوة والسلاح فقط ، وان الجيش اللبناني هو وحده المسؤول عن حفظ الامن على كافة الاراضي اللبنانية والدفاع عن الوطن وان قرار الحرب والسلم يعود حصراً للمؤسسات الدستورية للدولة اللبنانية .
وسط هذا المشهد، فإن تخبط المعنيين في اجتراح الحلول، قد يشكل فرصة ملائمة لهذه “المعارضة السياسية” للدفع نحو تحقيق مشروعها، لا سيما أن أثمانا كثيرة يكاد يدفعها المواطن اليوم في حين يستمر شد حبال المحاصصات السياسية والوزارية، لتبقى الاهمية الابرز اليوم ان لا تنشد هذه المعارضة إلى السلطة وتناقش في جنس الملائكة، فيما المطلوب منها الدفع نحو الضغط على هذه المنظومة التي تستقوي بالخارج للحد من تسلطها وتحقيق الاصلاحات المنشودة
المصدر : لبنان24