تحل اليوم الذكرى الأولى لانتفاضة السابع عشر من اكتوبر التي اندلعت قبل عام والتي شكلت محطة بارزة وظاهرة شغلت الرأي العام العالمي ووسائل اعلامه، وجمعت اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والمناطقية والطائفية والمذهببة في مشهد قل نظيره في تاريخ لبنان الحديث لناحية ضخامة المشاركين في الاحتجاجات التي عمت مختلف المناطق اللبنانية من الشمال الى أقصى الجنوب مرورا بالجبل الى البقاع وقد توحدوا في الساحات حاملين آمالا ومطالب كثيرة في مقدمها محاسبة الطبقة السياسية التي اوصلت البلاد الى الانهيار الكبير.
لم يكن عصر 17 اكتوبر 2019 يوما عاديا بالنسبة للبنانيين الذين نزلوا الى الشارع فور انتشار خبر عن إمكانية فرض رسم شهري على مكالمات الواتساب فكانت الشرارة التي حملت آلاف اللبنانيين في الأيام التالية للنزول الى الشارع ليعبروا عما في دواخلهم من غضب صامت على الطبقة السياسية التي أنهكت لبنان على مدى عقود وأوصلته الى ما وصل اليه من أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية بسبب الفساد المستشري في الإدارة وانتهاج سياسة المحاصصة فيما بينها، فكان شعار «كلن يعني كلن» الذي رفع في الساحات والميادين هو الشعار الأبرز عند المنتفضين الذين كسروا حاجز الخوف وانحازوا لمطالبهم التي تحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية.
لقد اختلفت التسميات التي اطلقت على التحركات في الشارع بين حراك شعبي وانتفاضة وثورة، الا أنها في كل الأحوال عبرت عن حيوية المجتمع اللبناني الذي اندفع بقوة الى الشارع حاملا شعار محاسبة الطبقة الحاكمة التي حاولت التقليل من حجم وتأثير التحركات الشعبية، الا انها لم تتمكن من اغفال قلقها وإنكار حالة الغليان الشعبي الذي تفجر غضبا في وجهها، لقد دفع مشهد المنتفضين الذين حملوا صور المسؤولين السياسيين محطمين هيبتها بأن أرسلت أزلامها الى الشارع ووقعت مواجهات بين المحتجين والقوى الأمنية والشبيحة الذين ارسلتهم احزاب السلطة لتخريب الانتفاضة وتحطيم خيم الاعتصام لا سيما في بيروت والمدن الرئيسية، كما وقعت اعمال شغب من قبل المجموعات المندسة وسقط شهداء وجرحى في صفوف المنتفضين.
لقد ساهمت أمور عديدة في تراجع زخم الانتفاضة الشعبية وأصيبت ببعض الضمور نتيجة عوامل موضوعية فكان أن انكفأت عن الشارع بسبب وباء كورونا وبفعل التناقضات في صفوفها لكن جذوتها لم تنطفأ، فعملية التغيير مسارها طويل وشاق ونتائجها غير معروفة سلفا.
وفي الاطار يرى استاذ القانون الدولي والناشط في الانتفاضة الشعبية د ..علي مراد لـ«الأنباء» أن الحراك الذي انطلق قبل عام هو في مواجهة سلطة قوية ومتجذرة منذ عشرات السنين وتملك تمثيلا شعبيا وثروات وجهازا اداريا متغلغلا في الادارة، وقوى عسكرية وبيدها القوى الأمنية وبالتالي من غير المتوقع أن تسقط بالمظاهرات فقط والا لما كان قد صمد نظام في العالم، لكنها في المقابل غير قادرة أن تحكم مجددا بفعل الانهيار الاقتصادي الذي انعكس على الادارة السياسية للبلاد، وفي المقابل ايضا فإن الشارع غير قادر على تبوؤ السلطة وتغيير المعادلة نتيجة عوامل لا علاقة له بكفاءته او لأنه لم يشكل قيادة التي هي نتيجة وليست سببا، بل أن المسألة أعقد من ذلك والمشهد ليس بهذه السهولة.
لكن هل فقدت الانتفاضة زخمها بفعل غياب قيادة لها؟ يقول د.مراد ان العدد الأكبر من الناشطين والمجموعات الموجودة ولدت من رحم 17 اكتوبر وعلينا أن ننظر الى هذا التاريخ كمسار تغييري وليس كلحظة نحكم عليها بشهر او شهرين، ذلك أن تركيبة المجموعات مختلفة وتركيبة النضال السياسي هو أيضا مختلف وهذا مرتبط بالموضوع الاقتصادي وقدرة السلطة على ردة الفعل، فالشارع يستطيع أن يحدد معايير لكنه لا يملك أدوات السلطة، والإيحاء بأن الانتفاضة كان يمكن لها أن تحقق في الـ 12 شهرا الماضية انتصارا دراماتيكيا وضاع، فكما قلت نحن نواجه سلطة قوية وعدم النجاح في ذلك لا يعني أننا مقصرون، المهم أن 17 اكتوبر استطاع ان يرسخ مجموعة من الأمور أبرزها منطق المحاسبة وشعور أحزاب السلطة ومسؤوليها بأنهم ليسوا قديسين او أنصاف آلهة، كما انها استطاعت أن تشكل الوعي عند الجماهير واهتمامها بالشأن العام بعد أن كانت قد استقالت منه.
ما هو المطلوب من مجموعات الانتفاضة لتعيد الحيوية الى الشارع حتى لا تدخل في غياهب النسيان؟ يقول د.مراد: المطلوب جهد أكبر لتوحيد الصفوف والرؤية والبحث عن أشكال جديدة للمواجهة، فالشارع أحد أشكالها لكنه ليس الشكل الوحيد وربما التغيير في العودة الى لا مركزية المظاهرات والبحث عن تقاطعات مع بعض القوى بعيدا عن البرغماتية، لأنها معنية بالتغيير وهذا تحد يومي يجب أن تعيشه المجموعات التي تعتبر نفسها جزءا من 17 اكتوبر، ذلك أننا أمام أزمة كبيرة وهي ليست أزمة عابرة.