رحلة طرح الرئيس سعد الحريري نفسه مرشح الفرصة الأخيرة التي تجسدها المبادرة الفرنسية والتي تبدأ عمليا اليوم بعدما انجز الحريري تحضيراتها في الساعات الأخيرة، تبدو محفوفة بحقول ألغام من خلال ما ينتظر الحريري من حسابات لدى الاًفرقاء السياسيين سواء ساروا في النهاية في خيار تكليفه او رفضوه، باعتبار ان لغة الاشتراطات وربما تصفية الحسابات ستنطلق لدى معظمهم بدءا من اليوم.
طبعا ما بدأ يطفو على سطح المشهد السياسي الحكومي منذ البارحة خصوصا لجهة تضخيم العقبات التي قد تحول دون انتهاء جولة اللقاءات والاتصالات التي ستنطلق اليوم الى تكليف الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة الخميس المقبل يندرج في خانة رفع الشروط السياسية والحزبية الى ذروتها لوضع الحريري امام معادلة القبول بعودته الى رئاسة الحكومة في مقابل الشراكة السياسية معه في تشكيل الحكومة من خلال استحضار الشروط إياها التي أدت الى اطاحة تجربة تكليف مصطفى اديب، والا دخول استحقاق التكليف في تعقيدات جديدة وإضافية من غير المستبعد ان تؤدي حينذاك الى ترحيل موعد الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا الخميس المقبل.
ويمكن القول عشية انطلاق الجولة الحاسمة من الاتصالات واللقاءات التي سيجريها الحريري أولا من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ومن ثم ستتواصل مشاوراته مع القوى السياسية والحزبية سواء عبر موفدين او من خلال اتصالات مباشرة، ان المعادلة التي تحكم مصير هذا التطور تتوزع مناصفة بين احتمالات عودة الحريري الى رئاسة الحكومة او فتح باب الاستحقاق الحكومي مجددا على المجهول اذا أقفلت الطريق امام الحريري. فمن جهة الاحتمالات الإيجابية لمصلحة ترجيح تكليف الحريري لم تبلور الأيام القليلة السابقة بعد المقابلة التلفزيونية للحريري مساء الخميس أي بدائل حقيقية وجدية من طروحاته في شأن الحكومة ولو ان معظم القوى السياسية تنوي التعامل معه بلغة الشروط والمطالب ورفع السقوف.
ولكن ذلك لن يحجب حقيقة ان الوضع في البلاد بلغ مستويات كارثية من التأزم والانهيارات لا تتيح لاي طرف استعمال لغة الرفض للرفض مع الحريري الذي يذهب الى القوى السياسية ببرنامج واضح من شانه فتح ثغرة تنفس للبلاد من خلال المبادرة الفرنسية والدعم الدولي المأمول في حال تشكيل حكومة ذات صدقية إصلاحية كما يطرحها برنامج الحريري. في المقابل تتمثل الناحية السلبية في ان المناخ السياسي السائد بين الحريري وعدد من القوى ومنها العهد و”التيار الوطني الحر” وكذلك قوى حليفة له سابقا مثل “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي لا يوحي بإمكان تجاوز الحساسيات بسرعة ولا سيما اذا صح ما نقل عن التيار الوطني الحر من رفض تلقائي لعودة الحريري. وفي هذه الحال فان الأنظار ستتركز على موقف الثنائي الشيعي الذي وان بدا اكثر مرونة تجاه عودة الحريري فان الشروط التي سيطرحها ستتسم أيضا بتعقيدات تطرح التحدي القوي في وجه الحريري.
بعبدا وعين التينة
في أي حال واستمكالا لمبادرته في طرح ترشيحه لتشكيل الحكومة على أساس المبادرة الفرنسية والتزام تنفيذ البرنامج الإصلاحي، اتصل الحريري امس بكل من الرئيس عون والرئيس بري وتقرر ان يزور الحريري قصر بعبدا في الحادية عشرة قبل ظهر اليوم على ان يزور عين التينة في السادسة مساء. وانطلق الحريري في مشاوراته من حلقته السياسية الأقرب اذ ألتقى مساء امس في بيت الوسط رؤساء الحكومات السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، وتناول اللقاء موقف الحريري وتحركه والاحتمالات التي تحوط هذا التحرك فيما تردد ان الحريري قد يوفد رئيسة كتلة المستقبل النائبة بهية الحريري على رأس وفد في جولة على رؤساء الكتل والأحزاب.
في موازاة هذه الاستعدادات لاسبوع يفترض ان يكون حاسما لاستحقاق التكليف لم تظهر واقعيا مؤشرات إيجابية وواضحة حيال المواقف التي ستتخذها القوى المعنية بما يبقي كفة الحذر الشديد مرجحة اقله لليومين المقبلين قبل بلورة الاتجاهات الجدية. وإذ بدا لافتا ان تسريبات ذهبت الى اطلاق أسماء سياسيين قيل ان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وراءها في مواجهة ترشيح الحريري، لم تعكس أجواء قصر بعبدا أجواء مرنة حيال الحريري الذي سيزور الرئيس عون اليوم اذ ان مقربين منه يقولون ان عون ينتظر ما سيقوله الحريري ولكن رئيس الحكومة المكلف سيكون الشخص الذي ينتج عن الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها الرئيس عون الخميس المقبل في قصر بعبدا غامزة من قناة المشاورات التي اطلقها الحريري بنفسه.
ويعتبر هؤلاء المقربون ان المبادرة الفرنسية تتناول الإتيان بحكومة اختصاصيين من رئيس الحكومة الى جميع الوزراء ولا يستطيع الحريري تاليا ان يخرج ويقول انه خارج هذا التصنيف وان يكون أعضاء حكومته من الاختصاصيين فقط باستثناء نفسه فهو بذلك يخالف المبادرة. ولكنهم يستدركون انه في حال كانت الصيغة تكنوسياسية فستكون عندها موضع نقاش ولها هنا شروطها . ولكن ما استرعى انتباه المراقبين ان نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي اعلن مساء امس انه نصح النائب جبران باسيل منذ سنة بتأييد الحريري لان الربط مع المكون السني هو أساسي. وإذ توقع الفرزلي تكليف الحريري الخميس المقبل، استبعد اصطدام التكليف بعقبة ميثاقية مسيحية اذ ان هناك 22 نائبا مسيحيا خارج الأحزاب ومعيار الميثاقية في تسمية رئيس الحكومة غير محصور بالأحزاب.
وإذ يبدو موقف “القوات اللبنانية ” شبه محسوم من عدم تسمية الحريري تكرارا فان موقف الحزب التقدمي الاشتراكي قد يعلنه رئيسه وليد جنبلاط في مقابلة تلفزيونية مقررة مبدئيا مساء اليوم .
وبالنسبة الى الثنائي الشيعي سيكون لقاء بري والحريري مساء اليوم محوريا لجهة بلورة الموقف المبدئي للثنائي من عودة الحريري والشروط التي سيطرحها. ولا تبدو هذه الشروط سهلة ابدا اذ فهم ان الثنائي لن يتخلى عن شرط تسمية وزرائه بدءا بوزير المال والإتيان باختصاصيين من غير الحزبيين يطرحهم على الرئيس المكلف ليختار منهم .
وفي هذا السياق اعرب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس عن قلقه من احتمال “تعثر تكليف شخصية لرئاسة الحكومة الجديدة وبخاصة اذا تعذر تأليف حكومة انقاذية غير سياسية وتكنوقراطية”. واعتبر ان ضمان التأليف هو “عزم الجميع على تجنب التسويف ووضع الشروط غير الدستورية وغير الميثاقية من اجل قضم الدولة وإبقاء مصير لبنان مرهونا لصراعات المنطقة التي لا تنتهي”. وفي ما يتعلق بالمفاوضات اللبنانية الإسرائيلية برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية والبرية قال الراعي “نحتاج الى دولة قوية وحكومة قادرة على اجراء مفاوضات ترسيم الحدود بين دولتي لبنان وإسرائيل. أهمية هذه المفاوضات ان تؤدي الى اتفاق يعزز سلطة الدولة اللبنانية المركزية التي تسيطر على حدودها الدولية المثبتة في خط الهدنة لسنة 1949 أساسا “.
…واللائحة تطول
في غضون ذلك اثار الانتشار الوبائي المتسع لفيروس كورونا في لبنان مزيدا من التداعيات السلبية لا سيما على صعيد عودة فتح المدارس ولو بشكل محدد ومجتزأ . ذلك ان وزارة الداخلية أعلنت امس قرارا جديدا اتسعت بموجبه لائحة البلدات والقرى المشمولة بقرار والأقفال والحجز المنزلي ورفعت عدد البلدات الى 169 بلدة وقرية في مختلف المناطق اللبنانية . كما نص القرار على اقفال كل الحانات والملاهي والمراقص الليلية على الأراضي اللبنانية حتى أشعار آخر .
وأحدث قرار وزارة التربية بعودة جزء من التلامذة ابتداء من اليوم ضجة وموجة استنكارات ومخاوف واسعة لجهة ما يمكن ان يعرض هذا القرار تلامذة ومعلمين وأساتذة لخطر الإصابة بكورونا في ظل صعوبة التزام تنفيذ الإجراءات الحمائية بالكامل داخل المدارس فضلا عن التمييز الذي سيصيب التلامذة باعتبار ان أعدادا كبيرة من التلامذة في المناطق المقفلة لن يتمكنوا من استلحاق بداية الموسم المدرسي. وأطلقت مناشدات ومواقف تنادي بإرجاء فتح المدارس .
يشار في هذا السياق الى ان عداد الإصابات بكورونا لدى وزارة الصحة سجل امس 1010 إصابات و4 حالات وفاة .
وفي المقابل بدأت موجة الحرائق التي اجتاحت المناطق اللبنانية في الأيام الأخيرة بالانحسار والتراجع ليتكشف كما في كل مرة مشهد الكوارث الطبيعية والبيئية التي خلفتها.
المصدر: النهار