كتب منير الربيع في “المدن”: كما أُفرغت المبادرة الفرنسية من مضمونها مع مصطفى أديب، سيتم إفراغ “مبادرة” سعد الحريري من مضمونها في مفاوضاته لتشكيل الحكومة. لن تكون طريقه معبّدة بسهولة ليصبح رئيساً مكلفاً للحكومة. وحتى لو تم تكليفه، لن تكون طريق التأليف سهلة بأي شكل من الأشكال.
مقومات إجهاض مبادرة الحريري قبل أن تولد أصبح متوافرة بجدية كبيرة، إلا إذا ارتضى الرجل لنفسه أن ينخفض كثيراً عن السقف الذي اعتذر عند حدوده مصطفى أديب. أول استحقاق سيواجهه الحريري قبيل ساعات من تكليفه المفترض، هي تظاهرات الاتحاد العمالي العام ونقابات السائقين (ومعروف الولاء السياسي لهذه “النقابات”). عنوان التظاهرات رفض رفع الدعم وكل السياسات المالية. وهذا يعني ضمناً، وفي الرسائل السياسية، رفض أي شرط من شروط صندوق النقد الدولي.
بين باسيل وعون
بكل الأحوال، سيبدأ سعد الحريري مشاوراته واتصالاته السياسية بحثاً عن توافق حول اسمه. هو يقدّم نفسه عراباً للمبادرة الفرنسية، على نحو خيّر فيه كل القوى بالسير بها عبره أو أنهم يرفضونها. تتضارب المعلومات حول حقيقة المواقف مما أعلنه الحريري. البعض يعتبر أن بوادر اتفاق بينه وبين جبران باسيل قد تعيده إلى رئاسة الحكومة. وذلك، انطلاقاً من عاملين أساسيين. الأول، مفاوضات ترسيم الحدود. والثاني، رغبة فرنسية في إعادة إنتاج التسوية الرئاسية التي كانت في العام 2016 صنيعة فرنسية. لكن حتى ذلك، لن يكون سهلاً في ظل موقف حزب الله.
في المقابل هناك معطيات أخرى تكشف أن عون لم يوافق بعد على تكليف سعد الحريري، ولا يزال يبحث عن رئيس حكومة، سواء بالعودة إلى مصطفى أديب أو تسمية غيره. حركة عون هذه يمكن أن تندرج في سياق الضغط على الحريري، لابتزازه أكثر وإجباره على تقديم التنازلات المطلوبة. فبُعيد مبادرة الحريري، عملت بعض الجهات على جس نبض عون، الذي قال: “اتفقوا على رئيس حكومة مع جبران باسيل”، فأجاب الشخص سائلاً: “ماذا لو تم الاتفاق على الحريري؟” ليرد عون: “الحريري، لن أمانع. ولكن سأضع شروطي أمامه، وإذا وافق نسير به. وبحال لم يوافق، فلن نوافق عليه”. شروط عون لن يتزحزح عنها، أولها وجود سعد في الحكومة يقتضي وجود جبران. كما تفيد المعطيات أن عون لن يتزحزح عن مبدأ محاسبة رياض سلامة، وإقالته مهما كلف الأمر. وتشير المعلومات إلى أن بعض الأجواء الفرنسية المحيطة بماكرون شركاء بهذه العملية، بسبب موقف سلامة من شركة لازار. وهذا جو معاكس لاجواء وزارة الخارجية الفرنسية، والمصرف المركزي الفرنسي.
وزارات الشيعة والبيان الوزاري
بمجرد تكليف الحريري سترفع الشروط بوجهه، شروط حزب الله، وشروط ميشال عون وجبران باسيل. وسيكون حزب الله واضحاً في الانطلاق من المفاوضات بالتمسك بوزارة المالية، ومن دون ورود أي كلمة لها علاقة بـ”لمرة واحدة فقط”. ثانياً، الحزب هو من سيختار الوزراء الشيعة. وثالثاً، الحقائب. وهذه النقطة الوحيدة التي قد يكون الثنائي مرناً فيها باستثناء وزارة المال.
الشروط الأخرى تتعلق بالبيان الوزراي، ورفض إسقاط أي بيان مسبقاً. وسيكون الحزب حريصاً على ورود كلمة “مقاومة” في البيان. أيضاً هذا كله لا يمكن فصله عن الشروط الاقتصادية الأخرى، والتي سينطلق منها حزب الله بناء على موقف أمينه العام السيد حسن نصر الله، برفض شروط صندوق النقد، ورفض مسألة تحرير سعر صرف الليرة، ورفض أي ضرائب جديدة، وكل النقاط التي يريد صندوق النقد فرضها. هنا لا بد من طرح سؤال حقيقي، هل يمكن للحريري أن يوافق على هذه الشروط؟ وإذا وافق، هل سيكون هناك رضى أميركي على حكومته؟ وهل يتمكن من السير بمثل هذا الخيار؟
بحال وافق الحريري على هذه الشروط، يعني أنه أسقط كل مواقفه السابقة. لذا، حتماً سيكون من الصعب أن يقدم هذه التنازلات. وبحال لم يوفَّق، وفشل، فإنه سيكون قد تلقى ضربة قاسية بعدما تراجع وتناسى كل رفضه السابق لتشكيل الحكومة، وأبدى استعداده لتشكيلها.. ولم ينجح. ستكون الأيام المقبلة التي تسبق موعد الاستشارات حافلة بالاتصالات والمشاورات.
وهناك من يستبعد احتمال الوصول إلى اتفاق قبل موعد الاستشارات. وبحال تعذر الاتفاق، ستكون الاستشارات صباح الخميس المقبل أمام مصير التأجيل.