ما الذي يمنع الدولة من إستيراد المواد الأساسية؟

بخفة متناهية تتعامل الحكومة ومصرف لبنان مع قضية دعم المواد الأساسية. هل يرفع الدعم أو يخفّض، سؤال لا إجابة له بعد. ليس على الناس سوى انتظار قدرها. وبين الحكومة المستسلمة لمصرف لبنان والمصرف الذي يقدم أرقاماً لا يمكن الوثوق بها، تضيع المسؤولية. وإذا كان المصرف يعلن أن الاحتياطي يكاد ينفد، فمن قال إن الحل يكون برفع الدعم. ما الذي يمنع الدولة من استيراد المواد الأساسية وإلغاء هوامش الأرباح التي يستفيد منها المستوردون وتصل إلى ٣٥ في المئة؟

النقاش في خفض الدعم لا يزال عاماً، لكن تداعياته بدأت بالظهور حتى قبل البدء بالتنفيذ. بحسب المعلومات، فإنه لا جديد في الخطوات التي تلت اجتماعي القصر الجمهوري والسراي الحكومي. في الحالتين تم التسليم بقدر تخفيض الدعم. اتُفق على دراسة هذا التخفيض مع الوزارات المعنية، إلى جانب الاتفاق على إطلاق بطاقة تموينية. تلك، ليس واضحاً إلى من توجّه، هل إلى اللبنانيين جميعاً، ويكون بالتالي الهدف منها حرمان الفلسطينيين والسوريين حصراً من الاستفادة من الدعم، أم تكون موجّهة إلى الفئات المحتاجة والتي لا يمكن تحديدها من دون وجود قاعدة بيانات ومعايير واضحة لتوزيع الأسر؟ على الأقل تؤكد مصادر وزارة الشؤون الاجتماعية أن أحداً لم يطلب منها أي إحصاء أو دراسة. طموحها الأقصى هو تعديل لائحة الأسر الأكثر فقراً، والتي تضم حالياً أقل من ٣٠ ألف أسرة، فيما التقديرات تشير إلى أن عدد هذه الأسر وصل إلى ٢٠٠ ألف.

إذا كانت صعوبات عديدة تحول دون اعتماد بطاقة الدعم، على ما تؤكد مصادر حكومية، فكيف يعقل أن يكون الجميع قد سلّم بعدم قدرة المصرف المركزي على الاستمرار في وتيرة الدعم نفسها؟ هل فعلاً لا بديل من تخفيف الدعم، ثم إلغائه؟ وهل يُدرك من يتخذّ قراراً كهذا أي تبعات ستنتج عنه؟ أكثر من اقتصادي يجزم بأن الانفجار الاجتماعي سيكون النتيجة البديهية. ارتفاع أسعار الخضار أنزل الناس إلى الشارع أول من أمس، فكيف سيكون الوضع إذا ارتفع سعر البنزين إلى ٧٠ ألف ليرة أو سعر الدواء خمسة أضعاف؟

المشكلة الأساس تتعلق بأرقام مصرف لبنان. التجربة تشير إلى أن هذه الأرقام لم تكن يوماً موثوقة. يكفي أنه حين طلبت رئاسة الحكومة في بداية العام معلومات عن موجودات المصرف، كانت النتيجة أن سلّم سلامة رئيسي الجمهورية والحكومة ورقتين مكتوبتين بخط اليد ومن دون توقيع، مدوّن فيهما ما لمصرف لبنان من أموال وما عليه، ليخلص إلى أن مستوى السيولة في ١٥ شباط ٢٠٢٠ كان ٢١،٧٧٦ مليار دولار. للتذكير، فإن هذه الورقة قدمت حينها لتبرير عدم الحاجة إلى التخلف عن دفع سندات اليوروبوندز، ولم يشر فيها إلى أن الاحتياطي الإلزامي غير قابل للتصرف به، وهو الأمر الذي تتمسك به رئاسة الوزراء. على مرّ الأشهر التي تلت، كان دياب يسأل سلامة: «هل نستطيع صرف كل شيء في الاحتياطي؟»، وكان الأخير يجيب بالتأكيد. في ٣٠ تموز، في آخر اجتماع مالي عُقد في السراي، تغيّر الأمر. حينها كانت المرة الأولى التي يسمع فيها المجتمعون أنه لا يمكن استعمال كل الأموال المتوفّرة. وحتى عندما واجه دياب سلامة بأنه سبق أن أعلمه بأنه يمكن صرف الأموال «حتى آخر قرش» من المبلغ الموجود في الاحتياطي، كان الجواب هنالك ١٧.٥ مليار دولار لا يمكنني أن استعملها هي الاحتياطي الإلزامي للمصارف. في ٢٠ آب، حوّل سلامة تحذيره الشفهي إلى تحذير مكتوب موجّه إلى الحكومة. جاء في تحذيره أن الاحتياطي القابل للاستخدام يكفي لثلاثة أشهر (مليارا دولار) وأن على الحكومة أن تتصرف.

مرّ نصف المدة، من دون أن يتغير شيء. واعتماداً على ما قاله سلامة، يتبقّى شهر ونصف شهر لتقع الكارثة التي حذّر منها. شهر ونصف وينفد الاحتياطي، ويتوقف الدعم. لم يخرج أي من المسؤولين، إن كان في الحكومة أو في مصرف لبنان، ليعلن حقيقة الوضع. لكن أمس تحديداً أعلن سلامة نفسه أن «رفع الدعم الشامل عن الضروريات فيه الكثير من المغالطات، ومصرف لبنان سيستمر في القيام بواجباته من ضمن الامكانات». ماذا يعني هذا التصريح؟ ألا يدري سلامة أنه كان أول من تحدث عن رفع الدعم؟ ثم إذا كان ما يقوله عن المغالطات صحيح، فلماذا يصرّ على الغموض؟ لماذا لا يعلن على الملأ الحقيقة التي يعرفها، بما يؤدي إلى إراحة الأسواق والناس؟ هل سيرفع الدعم أم لا؟ وإن كان الهدف هو ترشيد الدعم، من خلال تقليص لائحة السلع المدعومة، فمتى تعلن هذه اللائحة؟ وقبل ذلك، ألا يجب مصارحة الناس بحقيقة الوضع النقدي، ما يملكه مصرف لبنان وما يدفعه على الدعم؟ إلى اليوم، لا يمكن الركون إلى مصداقية الأرقام المقدمة. السيولة في أيلول، بحسب مصرف لبنان، تبلغ ٣٠،٥ ألف مليار ليرة، أي ما يعادل ٢٠،٣ مليار دولار، ومع إضافة اكتتاباته بالأسهم الأجنبية المقدرة بـ٧٠٠ مليون دولار، يكون مجموع السيولة لديه يقارب ٢١ مليار دولار.

لكن بحسب محضر اجتماعه بجمعية المصارف، الذي أشار فيه إلى أن قروضه للمصارف انخفضت من ٨ إلى ٦ مليارات دولار، فهل هذا يعني أن السيولة لديه انخفضت عمّا سبق أن صرّح به؟ وبالتالي، ما هو وضع هذه السيولة حالياً؟ هل يمتلك المصرف المركزي ١٩،٥ مليار دولار أم ١٥ ملياراً؟ وقبل ذلك لا بد، بحسب وزير سابق، من معرفة حجم الدعم منذ بداية العام إلى اليوم؟ السؤال يهدف إلى تبيان أسباب النقص في الموجودات الخارجية لمصرف لبنان، إذ لا يعقل أن يكون الدعم قد أسهم في تخفيض السيولة ١١ مليار دولار خلال تسعة أشهر (كان المصرف يملك ٢٦ مليار دولار في بداية العام)، فيما كل التقديرات تشير إلى أن هذا الدعم لا يمكن أن يكون قد تخطى مجموعه ٣ مليارات دولار، علماً بأنه حتى لو اعتمد الرقم الذي تردده مصادر مصرف لبنان، أي ما بين ٦٠٠ و٧٠٠ مليون دولار، فإن الحد الأقصى للدعم يكون ٦ مليارات دولار، فأين ذهب المبلغ المتبقي، والذي يراوح ما بين ٥ و٨ مليارات دولار؟ هل صحيح أن المصرف المركزي يُقرض المصارف بالدولار الأميركي ويستردّ ديونه بـ«الدولار اللبناني»؟

الثابت أن الحكومة نفسها، بحسب مصادرها، لا تثق بالأرقام الصادرة عن مصرف لبنان، لكن مع ذلك فهي تترك القرار له، وتسير كما يشاء، إن كان في مسألة الاحتياطي أو في مسألة «ترشيد الدعم». لكن السؤال الأهم، على ما يقول مصدر معني: هل إدارة الدعم الاجتماعي من خلال دعم أسعار بعض السلع هو وظيفة مصرف لبنان أم الحكومة؟ مصرف لبنان نفسه يعتبر أن قرار الدعم من عدمه هو قرار حكومي، وهو لذلك اكتفى بإبلاغ الحكومة أن الاحتياطي بدأ ينفد، طالباً منها تحمّل مسؤوليتها.

ماذا فعلت الأخيرة سوى الهرولة باتجاه البدء بدراسة خيارات تخفيض الدعم؟ لكن هل هذه سياسة تتناسب مع الفترة الاستثنائية التي يمر بها البلد؟ وعلى سبيل المثال، ما الذي يمنعها من وضع اليد على السيولة بالدولار لتعرف كيف يمكنها أن تدير المرحلة المقبلة؟ وهل الدعم بالشكل الحالي هو الطريقة الأفضل للتعامل مع الواقع؟ ما الذي يمنع الحكومة من أن تتولى استيراد السلع الأساسية بشكل مباشر؟ عندها، وفي سبيل المحافظة على مستوى الأسعار، يمكنها أن تلغي هوامش الأرباح، بدلاً من استمرار شركات الاستيراد في تحقيق أرباح هائلة قد تصل إلى ٣٥ في المئة بالنسبة إلى بعض السلع. فتحكّم الدولة في الاستيراد يسمح لها بزيادة الأسعار بطريقة منطقية لا تؤدي إلى انهيار مجتمعي، وفي الوقت نفسه تؤدي إلى تخفيض فاتورة الاستيراد المنتفخة أصلاً. عندها سيكون منطقياً أكثر توجيه بطاقات الدعم باتجاه فئات محددة، كسائقي الأجرة على سبيل المثال، بدلاً من أن تشمل كل اللبنانيين أو حتى ٥٠٠ ألف أسرة كما تردّد بعد الاجتماع الأخير الذي عقد في السراي لمناقشة موضوع الدعم.

المصدر: الأخبار


عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

أسعار المحروقات اليوم ↑↓

أسعار المحروقات في لبنان اليوم أو اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للمحروقات لحظة بلحظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *