ما بين تاريخ تقديم الدكتور مصطفى أديب كتاب إعتذاره عن تشكيل الحكومة إلى رئيس الجمهورية (26 ايلول)،
وتحديد الرئيس ميشال عون موعدًا جديدًا للإستشارات النيابية الملزمة (15 تشرين الأول) عشرون يومًا بالتمام والكمال.
قد تبدو هذه المساحة الزمنية في الأيام الطبيعية أمرًا عادّيًا،
ولكن في ظل هذه الأوضاع الكارثية التي تعيشها البلاد فهي مساحة غير مسموح بها،
إذ أن لبنان واللبنانيين يحتاجون إلى كل يوم للتعويض عمّا فاتهم من تضييع للوقت،
ولإستلحاق ما فاتهم من فرص ضائعة في مهب الريح،
وذلك قبل خراب البصرة وقبل أن ينهار الهيكل فوق رؤوس الجميع، مسؤولين ومواطنين.
وقد يكون لهذا التأجيل أسباب ومبررات كثيرة، ومنها أولًا، أن الرئيس عون أراد أن يوسّع مروحة مشاوراته مع مختلف القوى السياسية المؤثرّة في عملية التكليف، مع العلم أن لا شيء تغيّر على الساحة السياسية منذ ما يقارب الشهر، حين أجرى رئيس الجمهورية، نيابة عن الرئيس المكّلف، وخلافًا للدستور والأعراف، مشاوراته السياسية، والتي لم تؤدِ في وقتها إلى حلحلة العقد، ومختصرها أن الثنائي الشيعي لن يتخّلى عن وزارة المال وعن تسمية الوزراء الشيعة.
فما قيل في وقتها سيعاد قوله اليوم، مع تشديد الجميع تقريبًا، وبالأخص الأكثرية النيابية، على أن تكون الحكومة موسعة وغير فضفاضة، وعلى أن تكون تكنوسياسية، وهذا ما طالب به الرئيس نجيب ميقاتي، الذي كان أول المبادرين حين طرح مبادرته بهدف إحداث خرق في جدار المواقف المتصلبة، وقد يكون هذا الطرح، وفق ما يراه كثيرون، الحل الوحيد بل الأمثل للخروج من عنق زجاجة الأزمة الحكومية.
ثانيًا، لقد أعطى الرئيس عون مهلة لجميع القوى لكي تتوافق على تسمية شخصية سنّية مقبولة وقادرة على تولي المسؤولية في هذه الظروف الصعبة والمصيرية، بحيث تكون هذه التسمية نتيجة جوجلة لبعض الأفكار، ومن بينها “المبادرة الميقاتية”، بإعتبارها تشكّل نقطة تلاقٍ في منتصف الطريق أمام جميع القوى السياسية. وكعادته رشّح الرئيس ميقاتي الرئيس سعد الحريري لتكليفه تشكيل حكومة تكنوسياسية، أي أن يكون للأحزاب الرئيسية في البلد تمثيل وازن، بحيث يتولى وزراء الأحزاب حقائب وزراء دولة، على أن يتولى أصحاب الإختصاص الوزارات الباقية.
ثالثاً، في خلال فترة الأسبوع من 7 إلى 15 الجاري، سيعمل رئيس الجمهورية، وفق ما يقول مقرّبون من بعبدا، على ضمان التأليف قبل التكليف، وإن كان هؤلاء يقرّون بأن هذه الخطوة غير دستورية، إلا أن الغاية تبرر الوسيلة، وفق رأيهم، وذلك لتلافي ما حصل مع الرئيس المعتذر الدكتور مصطفى أديب، الذي حال عدم التوافق المسبق على التركيبة الحكومية، شكلًا ومضمونًا، قبل التكليف، دون التمكن من التأليف، إذ كانت النتيجة، ودائمًا وفق منطق هؤلاء المقريبين من بعبدا، أن إعتذر الرئيس المكّلف بعدما سُدّت في وجهه منافذ التأليف.
رابعًا، سيحاول رئيس الجمهورية في خلال هذه الفترة المتبقية والضيقة جدًّا أن يستفيد مما تبقى من المبادرة الفرنسية، بإعتبارها لا تزال تشكّل في مندرجاتها الحل الوحيد الممكن والمتاح أمام الجميع لكي يتحمّلوا معًا مسؤولية الإنقاذ، إذ لم يعد من المقبول أو الجائز تضييع الوقت والفرص، وقد تكون المبادرة الفرنسية آخر الفرص المتاحة والممكنة.
خامسًا، إن اللبنانيين، وبالأخصّ المسؤولين، لم يعودوا يملكون ترف الوقت، لأن ما هو ممكن اليوم قد يصبح متعذّرًا، بل مستحيلًا غدًا، لذلك فإنهم مطالبون بحسم خياراتهم وعدم المراهنة على بعض المتغيرات، التي ربما لن تصب في مصلحة لبنان والحل المنشود.
لكل هذه الأسباب قد يكون من المفيد إعطاء فرصة أخيرة للبنانيين علّ وعسى، وأن غدًا لناظره قريب.
لبنان 24