مصارف لبنان.. “يا ربي نفسي”!

كتبت فيوليت غزال البلعة:

سيكون الفصل الأول من العام 2021 “ساخنا” جدا بالنسبة إلى مصارف لبنان. مقولة يرددها معظم المصرفيين المخضرمين في بيروت، خصوصا أولئك الذين واكبوا زمن الانهيارات في ثمانينات القرن الماضي وزمن الازدهار في العقود الثلاثة الماضية.

سريعا، يتحرك القطاع المصرفي اللبناني على خط المخارج المطروحة للأزمة. فالودائع باتت في ذمة ما تبقى من سيولة، والرساميل تبحث عمَن يقتدي بتعميم مصرف لبنان لتغذيتها بنحو 4 مليارات دولار قبل شباط/فبراير 2021، وإلا ستتحوّل المصارف العاجزة إلى عهدة مصرف لبنان ليطرح إما دمجها في مصرف واحد كبير بعد تنقيتها من الودائع السيئة (يمكن أن ينشئ مصرفا خاصا لتلك الودائع) وإما تنظيفها وإعادة بيعها مجددا من مستثمرين جدد، داخليين أو خارجيين. ولذلك، مسار زمني طويل قد لا ينتهي قبل نحو خمسة أعوام، وفق أفضل السيناريوهات.

ينشغل كبار المصرفيين حاليا بإعادة هيكلة مصارفهم انطلاقا من سلة تدابير وإجراءات تنطلق من الآتي: تصويب العلاقة مع الزبائن لجهة تلبية أقصى سقف ممكن من طلبات سحوباتهم النقدية، إعادة جذب الأموال الطازجة وتحديدا من الخارج بما ينعش وضعية السيولة الجافة، التفاوض مع المساهمين لتوزيع آلية تعزيز متطلبات الرسملة الجديدة التي تفرض بموجب تعميم المركزي رقم 154 زيادة رأسمال المصارف بنسبة 20% من أسهمها بما يصل إلى 4 مليارات دولار، تكوين سيولة خارجية خالية من أي التزامات بنسبة 3% من الدولارات المودعة لديها، الدفع نحو إقرار قانون الـCapital Control على أسس علمية قادرة على حماية أموال المودعين وتنظيف سمعة المصارف من “عيب” السيولة حتى ولو أفضى ذلك إلى إقفال عدد من الفروع، والتعامل مع الزبائن المعرّضين سياسياً PEPs وإعادة “الأموال المهرّبة”.

علما أن المصارف تسعى لإسقاط خيار الـBail In بعدما بات يوازي بجوهره مبدأ الـHaircut، لأنه في وضع المصارف “العاجزة”، لا يحتسب ضخا حقيقيا لرأس المال، إذ يفترض أن تتحدّد عملية الزيادة برأسمال جديد 100%. إلى ذلك، فإن التحفظ على الـHaircut والـBail In ينطلق من اعتبار أن تسييل الودائع لتملك أسهم في المصارف، قد ينعكس سلبا على قيمة الودائع نتيجة تراجع أسعار الأسهم، فضلا عن استحالة جذب أموال من الخارج في زمن “الكورونا” غير المناسب للتوظيف المصرفي، بما يدفع إلى التحوّل نحو الودائع للاستيلاء عليها وحرمان أصحابها منها. كذلك، سيفضي هذا الخيار إلى تغيير في هيكلية إدارات المصارف، بما يخشى أن تتحوّل معه إلى مصارف “طائفية” أو “مذهبية”.

خارج تلك الأسس الجديدة، بات يصعب على المصارف اللبنانية الاستمرار على النحو الذي دأبت عليه منذ انطلاق فترة الازدهار مطلع تسعينيات القرن الماضي، ومكّنتها من تحقيق أرباح طائلة أتاحت لها تأدية دور كبير في دعم الاقتصاد الوطني وتمويل حاجات الدولة لأعوام وأعوام. لكن، ما هي موجبات خريطة الطريق الوحيدة المتاحة أمام المصارف؟ ومَن سينجو من المصارف الـ63 التي بات حجمها يفوق قدرة الاقتصاد والتمويل الحكومي على تلقفه؟

ثمة نقاش يدور في بيروت حاليا حول موجبات انطلاق ورشة إعادة الهيكلة المصرفية، وتحديدا لجهة البدء بها ذاتيا أي بالاعتماد على إرشادات وتعاميم مصرف لبنان، أو بضرورة انتظار تشكيل حكومة جديدة تعيد رسم خريطة الخسائر على نحو يتلاءم والوقائع التي استجدت وزاد حجمها بأكثر من 15 مليار دولار. وفي الحالين، فإن عامل الوقت لن يكون مساعدا لاستحقاق زيادة رأس المال قبل نهاية شباط 2021، حيث لن يخلص إلا القليل القادر بعدد يقدّره بعضهم بأقل من 10 مصارف، فيما يؤمن آخرون بأن مصرف لبنان سيسمح بتجاوز نحو 20 مصرفا ليكون القطاع جاهزا لأي ورشة إعادة إعمار اقتصادية.

ويقول أصحاب الرأي الأول الداعي إلى بدء إعادة الهيكلة المصرفية دون انتظار الحكومة العتيدة، إنه سيُسند إلى الهيئة المصرفية العليا عملية “غربلة” المصارف، ليستحوذ مصرف لبنان وبكلفة صفر، على أسهم المصارف التي عجزت عن تنفيذ طلبه بزيادة الرسملة (جزء منها سيولة) والتزام الـCapital Control. ويتجه حينها إما إلى دمجها في مصرف واحد كبير أو يعرضها للبيع، وعلى الأرجح للداخل. وفي الحالين، ستبقى الودائع محفوظة لأنه سيفتح ورشة تنقية محفظة الودائع، وينشئ مصرفا خاصا Bad Bank يضع فيه كل “الودائع السيئة” بغية تنظيف ميزانيات المصارف. وثمة خيارات واقتراحات أخرى لا تزال قيد الدرس.

أما أصحاب الرأي القائل بضرورة انتظار تشكيل حكومة جديدة، فيستندون إلى أن الحكومة هي التي ستعيد تحديد حجم الفجوة المالية (الخسائر)، والجهات التي ستتحملها، لتتولى لجنة الرقابة على المصارف تحديد القسم القابل منها للاستمرار والقسم الهالك، على أن تكون توحي الحكومة العتيدة بالثقة، وتحديدا لجهة خريطة طريق ورشة الإنقاذ التي يفترض أن تستند إلى أسس موضوعية وعلمية ومنطقية، بعيدة عن اقتراحات “خطة التعافي” لحكومة حسان دياب التي حمّلت القطاع المالي والمودعين والمساهمين سلة الخسائر التي تسبّبت بها الدولة اللبنانية على مدى عقود.

وفي أول الخطوات العملانية، يتوقع أن يوجه مصرف لبنان خلال أيام، كتابا إلى المصارف يطلب منها تحديد خطة عملها في الفترة الفاصلة ما بين اليوم وشباط المقبل، ليتبيّن من خلال الردود، قابلية الاستمرار لديها من عدمه، فيتسع الوقت له بغية التحضير لآليات تملّك المصارف التي ستخرج من السوق. ووفق المعايير التي سيحددها، لن تقتصر النجاة حكما على المصارف الكبيرة أو ما يندرج منها ضمن مجموعة “ألفا” Alpha Group (تضم 17 مصرفا)، إذ قد تكون الفرصة متاحة أمام أي مصرف صغير ما زال يعتبر “نظيفا” وفق العرف السائد بعد الأزمة. ومن أهم تلك المعايير، قدرة المصرف على الاستمرار، واستعداد المساهمين لضخ الأموال، واستمرار العلاقة مع المصارف المراسلة.

وعلى قاعدة “يا ربي نفسي”، تسعى مصارف لبنان نحو خشبة الخلاص. هذا ما حمل 6 من كبار المصرفيين إلى باريس قبل أيام، في زيارة سُرّب منها خلاف هدفها ونتائجها. لكن، كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” عن زيارة المصرفيين “بعدما باتوا “منبوذين” من المصارف الأجنبية. وسعى هؤلاء إلى الدفاع عن وجهة نظرهم أمام المسؤولين الفرنسيين”. ونقلت عنهم قولهم إنهم يريدون أن يلعبوا دورا في إعادة بناء لبنان. وأوردت وكالة “بلومبرغ” أن المصرفيين الذين التقوا مبعوث الرئيس الفرنسي لتنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان، حاولوا إقناع باريس بعدم جدوى خطة الإصلاح التي قدمتها حكومة دياب، كونها تقوم على “إفلاس” القطاع بكامله.

واعتبرت الوكالة أن محاولات المصارف اللبنانية لاستباق تشكيل الحكومة الجديدة، “تلقي باحتمالات المزيد من الفوضى بشأن خطة الإنقاذ”. وتسرّب أن دوكان قال في محضر سري كشفته وكالة “رويترز”، إنه “قد يكون من الصعب على مصارف لبنان التمسك بمبدأ ضرورة ألا يخسر المودعون أيا من ودائعهم”، بما يعني أن باريس اقتنعت إلى حد ما بوجهة نظر المصرفيين بعد تحفظ عليها لمساهمتها في الانحدار الخطير نتيجة تسليفها الدولة بما يفوق قدرتها على السداد، ودورها في إخراج بعض الودائع على نحو غير شرعي.

ومع سقوط خطة حسان دياب إلى غير رجعة، ينتظر من الحكومة العتيدة البدء من الصفر في تحديد الفجوة المالية التي تعاظمت نتيجة “الميوعة” التي طغت على سياسات حكومة تصريف الأعمال، والتي أفضت إلى تجميد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وعدم مباشرة “لازارد” بالتفاوض مع الدائنين الخارجيين منذ إعلان لبنان توقفه عن الدفع في 7 آذار/مارس الماضي. وبين كل الخيارات المطروحة، لا بد من تبني طرح إنشاء صندوق سيادي لاستثمار ممتلكات الدولة لا بيعها، مما ‏يتيح لها إيفاء ما يترتب عليها من ديون للمصارف، وتاليا للمودعين.

استحقاقات بالجملة تنتظر مصارف لبنان، لكن أهمها يبقى التعميم رقم 154 الهادف لاستعادة السيولة ورأس المال لأنه سيتكفّل بورشة “الغربلة”. فأي من المصارف سيسقط في امتحان الجدارة وأي منها سيتجاوز القطوع؟

المصدر: mtv


عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

أسعار المحروقات اليوم ↑↓

أسعار المحروقات في لبنان اليوم أو اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للمحروقات لحظة بلحظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *